في أي مستنقع يعيش اللبنانيون ومن أين لهم بقية من صحة و"البقية في حياة الجميع" اذا كانت أخبار الفساد تتدفق كتدفق الوحول في الأنهر، واذا تذكرنا ان الرفوف والجوارير تزدحم في إدارات الدولة ومؤسساتها بطوفان من ملفات الفساد المتراكمة في أحضان سياسة اللفلفة والتعمية كالغبار؟
منذ قيام هذه الجمهورية السعيدة فُتحت ألاف من الملفات لمحاربة الفساد والفاسدين، لكنها انتهت بلا نتيجة، أو بنتائج عكسية ساعدت على ازدهار الفساد، الذي صار شطارة أو ثقافة عامة، ونحن في بلد يكرر أهله المثل الداعر "الشاطر ما يموت" بمعنى تحيا السرقة ويعيش الحرامي.
جاءت النتائج عكسية لأن خروج الفاسدين دائماً منتصرين على الدولة والقوانين والاخلاق، سرعان ما أفسد الأوادم الذين قالوا: اذا كان اليسر من نصيب الفاسد فلماذا البقاء في عسر الصلاح، وهكذا يُنظر الى الآدمي على انه هبلٌ وتعتير؟
في وسع البعض ان يمضي في التعجّب الى ان تنفجر عيناه، وخصوصاً بعدما وصلت أخبار السوس السارح الى الصعتر حتى المنقوشة ناقشة معهم، والى الفول والحمص اللذين نشربهما ممزوجين مع قهوة الصباح كما يتردد، وهذه ليست شطارة قياساً بالذين باعوا الماء على انه مصلٌ والهواء على انه اوكسيجين للمرضى وأدوية حتى للسرطان كما قال الوزير وائل ابوفاعور، والذين باعوا النشاء ممزوجاً بدهن الخنزير على انه لبنة، وايضاً هذه ليست شطارة قياساً بما سبق لفؤاد السنيورة ان قاله يوم كان وزيراً للمالية وفوجىء بمعاملة من الضمان تطلب تغطية عملية ولادة باسم رجل!
نعم الرجال في لبنان يمكن ان يحبَلوا ، وكثيرون منهم في حَبلٍ من دنس الفساد وكثيرون في حبَلٍ من غصب وقرف، وكثيرون من يأسٍ، ولكن فالج لا تعالج البلد على فالق الفساد، ولعل ما يزيد يأس الكثيرين من الذين يريدون الإصلاح انهم كمن يحارب طواحين الهواء بعدما تفشّى الفساد من رأس السمكة الى ذنبها!
في الدولة التي فقدت كل هيبتها ومع القانون الذي لم يعد يردع أحداً، لا يمكن دحر الوحش لأن الفساد صار ثقافة متجذّرة أشبه بمؤسسة تحتمي دائماً بالطائفة وبالمذهب وبالزعيم والقائد والمرجع وبقواعد المحاصصة والتراضي، وهذا ليس خافياً طبعاً عند الذين شهروا سيوفهم ضد الفساد.
كل ما ترونه ايها البؤساء في هذا البلد السعيد، ليس سوى سمك البزرة أو رأس جبل جليد الفساد الذي يغوص الى الأعماق حيث الحيتان الكبيرة والقروش الكثيرة... والى ان يلِد "الرجال الحبالى" بالغضب الساطع سيبقى الفساد سرطان الوطن... ولكن إفرحوا وتهللوا لمعجزة حلّ ازمة الكازينو فالتعويض براتب ٦٠ شهراً للمتضررين عبقرية مهولة وصحتين ايها الوطن الضرير!