في دولة يصرح وزير شؤونها الاجتماعية بأنها على شفا التشقق، وأن سفينتها الحكومية توشك على التصدع والغرق، يتحول البلد إلى كازينو يقامر فيه الساسة بمصير وطن لم يعد فيه من مقومات الدولة إلا هياكل يتسارع خواؤها ومؤسسات ينهبها تجار الهيكل الكبار.

تنفجر أزمة الكازينو فينكشف مئات الموظفين الذين لا يعرفون طريقهم إلى مكان عملهم، ولعلها الحسنة الوحيدة للفساد في هذه المؤسسة، التي لا أفهم الحكمة من إنشائها ومن تحويلها إلى "مرفق وطني"، لكن هذه الحقيقة ليست الوحيدة في عالم الفساد الرسمي.

فأزمة المياومين في شركة الكهرباء أظهرت في وقت مبكر تلاشي هيبة الدولة، بعد أن قام المياومون باستباحة مكاتب الشركة وتحويلها إلى مسرح للتسلية وشرب الأركيلة والإيقاع الشعبي الراقص..

تعرضت مكاتب شركة الكهرباء لاحتلال صريح لا لبس فيه، وتحوّل اللبنانيون إلى رهائن والشركة إلى متراس.. والحكومة تتفرج، والقوى الأمنية مجرد شاهد زور.. والقوى السياسية إلى طرفين متصارعين يتنازعان رأس المؤسسة ومصائر العمال..

هذه السابقة في احتلال المؤسسات تكررت في الكازينو، وامتدت إلى المرفأ حيث الحوض الرابع، والأزمة التي تحوّلت إلى قضية طائفية وسياسية، تدخلت فيها بكركي وسيجر تدخلها ردات فعل مقابلة، كونها جاءت على شكل خيارات مغلقة بين أن يتم وقف الردم، وبين حرمان مرفأ طرابلس من فرصة التوسع والتطور.. من دون البحث في حق طرابلس ومرفئها أساساً في النماء والتقدم، وفي سبل تأمين التوازن الوطني في العملية التنموية.

في بلدنا، لا توجد خطط حقيقية للتنمية، لكن ما يحصل مجرد ردات فعل على انتفاضات شعبية صغيرة متناثرة، تعبر عن اختناق الشعب، ولا تتجاوز مفاعيلها أكثر من تنفيسات موضعية عابرة..

في دولتنا، وفي ظل الحوار بين "حزب الله" وتيار المستقبل"، كان يفترض أن يكون من نتائجه الحفاظ على الحد الأدنى من حضور الدولة، يجتاح رصاص الترحيب بالسيد حسن نصرالله بيروت، فيوقع الخسائر وينشر الرعب، دون أن يكلف الحزب نفسه عناء الاعتذار، بل إنه يلغي عن بنود الحوار كل ما يتعلق بما يسمى سرايا المقاومة، ويحشر "المستقبل" بالنقاش حول الأعلام واليافطات في الزواريب والزوايا..

في دولتنا، يصل التغوّل الأمني إلى حد استدعاء دورية أمنية للانتقام من موظف في شركة للصيرفة بمحلة التل الطرابلسية، فقط لأن الموظف المسكين، طلب من العنصر الأمني الالتزام بالصف وانتظار دوره ليحصل على صرافة الأموال التي جاء من أجلها.. "ما حملو راسو" الأخ، فإذا بدورية أمنية "تشحط" الموظف "النظامي" وتذيقه من قوس قزح من ألوان الإذلال والإهانة..

في دولتنا، تحوّل الحكم إلى كازينو والمتحكمون إلى مغامرين مقامرين بأرواحنا وأرزاقنا ومستقبلنا..

في بلدنا "دولة الكازينو".. لا مرفأ لها.