لقد ردّ حزب الله على استهداف موكبه في القنيطرة ، وهذا خلاف ما توقعه كثيرون من المحللين والكتاب والمراقبين ، وبغض النظر عن حجم هذا الرد ومكانه والنقاش الدائر الان عن حالة  التزاوج التي اوجدها الحزب بين جبهتي الجولان والجنوب وانعكاس ذلك على مستقبل الايام القادمة، حيث بات على اللبنانيين توقع فتح جبهة شبعا ليس فقط للعمليات التذكيرية وانما كساحة للرد على اي محاولة اسرائيلية تريد من خلالها فرض قواعد اشتباك جديدة

ويسجل لحزب الله هنا مراعاته الدقيقة والمدروسة في اختيار المكان والزمان المناسبين ، وحتى لحجم النيران المستعملة      ولطبيعة الهجوم، فلم يستهدف آلية اكبر من جيب هامر  ولا هو اراد عدد اصابات اكثر في صفوف العدو قد لا يتمكن من تحملها، وبالطبع فقد تجنب الحزب الاقدام على عملية اسر تفتح الامور على افاق 2006 جديد ، لانه حتما صار يعلم الان على عكس ما كان عليه في ذلك الوقت  .

هذا الانضباط الدقيق من قبل الحزب بشروط اللعبة وسقوفها المرسومة له بعناية فائقة ، حاول وبشكل كبير التفلت منها من اجل تلبية حاجة فرضتها حجم الضربة التي تلقاها في القنيطرة، فعدد الشهداء كان كبيرا نسبيا، 6 شهداء ، وكذلك نوعية الموكب المستهدف وحجم ما يمثل من كانوا بداخله، ان على المستوى المعنوي بوجود نجل القائد العسكري الشهيد عماد مغنية، او حتى على مستوى مراتبهم العسكرية ففضلا عن العميد  الايراني الله دادي، فان ابو عيسى يعتبر قائد ميداني برتب لا تقل عن عميد ايضا .

ان هذا الفارق الكبير بين حجم الضربة التي اصابت الحزب في القنيطرة وبين المستوى "المتدني" للهدف موضوع الرد  المسموح به ضمن قواعد اللعبة المتبعة والتي هي محل حرص جميع الاطراف، خلق شيء من الهوة والتفاوت لمصلحة العدو، حاول الحزب ان يدملها عبر كمية هائلة من الصراخ الاعلامي والضجيج الصوتي، على الاقل من اجل لفت الانظار عنها ان لم يستطع ردمها .

فلاحظنا لاجل ذلك الحضور الكبير لماكنته الاعلامية الضخمة، والاستنفار الدعائي الذي رافق العملية منذ اللحظة الاولى والذي عمل بكل ما اوتي من طاقة من اجل تضخيم وتكبير حجم الرد وجعله متناسبا مع ما يرغب بسماعه جمهور المقاومة .

ولا بد في هذا السياق من القول انه وان كانت هذه الماكينة قد نجحت الى حد كبير في دغدغة مشاعر الجمهور باللحظات الاولى الا ان هذا لا يعني ان مع مرور القليل من الوقت وبعد انكشاف غبار المعركة ووضوح الرؤية فان الكثير من الحقائق قد تنقلب على هذه الحملة الدعائية وما حوته من فبركات اعلامية واخبار استعراضية لا اساس لها ( الحديث عن اسر جنود - صورة الالية المحترقة والتي تبين انها تعود لاحداث في العراق - التضخيم بعدد الجنود القتلى، وما الى ذلك  .. )

هذا كله قد يضر مرة جديدة بالصورة التي حاول الحزب استحضارها من الماضي واعادة احيائها في اذهان جمهوره اولا، والجمهور العام ثانيا عبر الحديث عن مصداقية في الوعد كما المصداقية في نقل الحقائق ان الميدانية او التي تتعلق بالغايات والاهداف .

فالغاية من التضخيم الاعلامي هذه المرة لم يستهدف الحرب النفسية مع العدو فقط، وانما توجه بقسم كبير منه الى الجمهور الحانق من الانتظار والمترقب لحجم الوعود المقطوعة له من القيادة والتي ذهبت به الى احلام كبيرة ليس اقلها فتح جبهة الجولان او الدخول الى اصبع الجليل، مما اشعر الحزب بالحاجة الى السعي لاسترجاع جمهوره والعمل على مسح ما اصابه من احباط بسبب تأخر الرد.

ولا شك ان الحملة الاعلامية الضخمة وكل هذا الضجيج المفتعل وهذا التضخيم المصطنع قد آت اكله مع جمهور تعود على الاصوات المرتفعة وعلى الشعارات الرنانة والاهم على ما يرسم له من وقائع وان ثبت عدم صحتها بعد ذلك فانه يستطيع ( هذا الجمهور ) من الاحتفاظ لنفسه بالصورة الاولى التي تنطبع بذهنه فقط لتترسخ بعد ذلك على انها الحقيقة الثابة بدون الالتفات الى ما يليها من صور تناقضها وتنسفها،

ومن ضمن هذه المقاصد الاعلامية ايضا، جاء البيان الرسمي للحزب يحمل عبارة " بيان رقم 1 "، تاركا لمخيلة جمهوره مساحة واسعة من الافتراض والتخيل ليخط كل واحد منهم على حدا وكما يشتهي هو بنفسه  " البيان رقم 2 ".