مرّت قضية محاولة تسليم الفتى قصي الزعبي من حاجز الأمن العام إلى مخابرات النظام الأسدي، بضجة محدودة، لكنها قضية تستحق المزيد من إسالة الحبر والنقاش حولها، نظراً لبعدها الإنساني والسياسي، على حدٍ سواء.

أصل القضية

منذ أشهر يشتكي أهل البقاع من عمليات خطف تستهدف المعارضين السوريين، وتؤدي إلى تسليم بعضهم إلى قوات النظام الأسدي، ومع تعاظم هذه الظاهرة، تحركت شعبة المعلومات لمتابعة الملف.

فقد أطبقت شعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي في 19 كانون الأول من العام الماضي، على إحدى خلايا النظام السوري في البقاع الغربي وتمكّنت من تفكيكها وتوقيف معظم عناصرها بعد مداهمة أماكن تواجدهم بعمليات مباغتة ومتزامنة في عدد من مناطق البقاع. والخلية المستهدفة، وهي تضم مجموعة من عناصر "حزب البعث" برئاسة مسؤول الحزب في البقاع الغربي ماجد منصور، كانت تقوم بعمليات خطف منظّمة لمواطنين سوريين معارضين لنظام بشار الأسد وتهريبهم لاحقاً إلى سوريا حيث يتم تسليمهم إلى النظام، حيث كان آخر ضحايا هذه "الخلية البعثية" السوري محمد أحمد النعماني الذي جرى خطفه من إحدى مناطق البقاع الغربي ومن ثم تمّ تهريبه وتسليمه إلى أحد ضباط مخابرات الأسد في دمشق.

الخلية التي كانت عملياً تقوم بتسليم المواطنين السوريين المعارضين ليصار إلى تصفيتهم على أيدي النظام السوري، تمكن عناصرها من خطف وتهريب نحو 4 سوريين معارضين إلى سوريا، وحينما توافرت معطيات أمنية عن ارتكابات هذه المجموعة تم وضع زعيمها ماجد منصور تحت المراقبة بحيث جرى رصد أعماله والتثبّت من كونه يتولى على رأس مجموعة من عناصره عمليات خطف المعارضين السوريين واحتجازهم في مكان معيّن تمهيداً لتهريبهم وتسليمهم إلى ضابط مخابرات في دمشق.

وقد نشرت وسائل إعلام تفاصيل عمليات الدهم التي تمت أمس في عدد من مناطق البقاع الغربي، فكشفت أنّها جرت بشكل متزامن شمل مداهمة منزل منصور وأماكن أخرى يتواجد فيها عناصر الخلية المستهدفة، لافتةً إلى أنه وبينما تمكن منصور من الفرار قبل الإطباق على منزله، أسفرت العملية عن توقيف أخوته خالد وعلم ومنصور محمد منصور، بالإضافة إلى السوري محمود حسن الملقّب بـ"محمود صبحة"، فضلاً عن ضبط أسلحة حربية في المنزل. في وقت جرى توقيف عناصر آخرين من مجموعته في مناطق أخرى ليبلغ عدد الموقوفين المتورطين في خلية خطف السوريين المعارضين 7 حتى الساعة، فيما تقوم الوحدات الأمنية بتعقب وملاحقة 3 آخرين لا يزالون فارين.

وفي الوقائع أنه أثناء تنفيذ وحدة تابعة لشعبة "المعلومات" عملية دهم منزل أحد المطلوبين في هذه القضية، المدعو هيثم سلمان حمد، في قضاء راشيا، تعرضت الوحدة الأمنية لإطلاق نار من قبل حمد فردّت عليه بالمثل ما أدى إلى إصابة أحد العناصر الأمنيين بالإضافة إلى إصابة المطلوب وإلقاء القبض عليه ثم نقله للمعالجة في أحد مستشفيات المنطقة، مشيرةً إلى أنّ أعضاء الخلية الموقوفين يخضعون حالياً للتحقيق لدى شعبة "المعلومات" حيث يتم التركيز على كيفية عمل هذه الخلية والطرق التي استخدموها في تهريب المخطوفين من لبنان لتسليمهم إلى النظام السوري.

استمرار الاستهداف

ورغم القبض على الشبكة البعثية، فقد استمرت محاولات استهداف السوريين المعارضين، إلى أن جاءت خطوة "رمي" الفتى قصي الزعبي عند حاجز الأمن العام في منطقة المصنع، بعد إطلاق سراحه إثر المثول أمام المحكمة العسكرية.

هذه الخطوة المفاجئة والخارجة عن الإطار الإنساني بكل المعايير استدعت اتصالات عاجلة، شارك فيها النائب معين مرعبي ورئيس هيئة علماء المسلمين، وناشطون في الجماعة الإسلامية، وهيئة السكينة الإسلامية، أثمرت عن تدخل صاعق لوزير الداخلية نهاد المشنوق، أدى إلى إنقاذ قصي الزعبي في الدقائق الأخيرة قبل تسليمه لمخابرات الأسد، بعد أن قضى ساعات طويلة في العراء، محروماً من كل وسائل الحماية من طقس عاصف وليل موحش..

هذه الخطوة الحاسمة من وزير الداخلية، دفعت النائب معين المرعبي إلى توجيه الشكر إلى  وزير الداخلية نهاد المشنوق "لمواقفه الإنسانية الراقية التي اعتدنا عليها و سرعة تدخله لإنقاذ السوري القاصر قصي الزعبي من خطر إلقاء القبض عليه من نظام الاسد (الذي كان سيرحل الى سوريا عبر نقطة المصنع الحدودية".).

وأضاف: ان الإجراءات التي قام بها الوزير المشنوق "ستردع اي مسؤول في أي جهاز من مخالفة التعليمات والقوانينن خاصة بالنسبة لمن يتهددهم القتل والتعذيب والممارسات اللا انسانية"، معتبراً أن ما قام به المشنوق "يندرج في إطار ما نعرفه عنه من انسانية وأخلاق ومنطق لا يتحلى بها سوی رجال الدولة الحقيقيون"..

كذلك، أصدرنا باسم هيئة السكينة اﻻسلامية بياناً جاء فيه أنه بعد اﻻتصال بوزير الداخلية نهاد المشنوق واطلاعه على أبعاد بعض عناصر اﻻمن العام للفتى السوري القاصر قصي مفيد الزعبي إلى منطقة الحدود اللبنانية ـ السورية في المصنع وتركه هناك بقصد تمكين قوات النظام السوري من القبض عليه.. أمر الوزير المشنوق بالتدخل وتم انقاذ الفتى قبيل دقائق من وقوعه في ايدي المخابرات اﻷسدية واسترجاعه الى داخل اﻷراضي اللبنانية.

اننا نشكر الوزير المشنوق على مبادرته اﻻنسانية السريعة ﻹنقاذ الفتى قصي الزعبي وهي انقاذ لحياته ﻷن مصيره في سجون نظام اﻻسد سيكون التعذيب والتنكيل والقتل.

كما نطالب بفتح تحقيق واسع حول ممارسات اﻹبعاد الغير قانونية التي يرتكبها البعض في اﻻمن العام خارقين قرار الحكومة اللبنانية القاضي بعدم ابعاد اللاجئين السوريين من لبنان خاصة ان هذه العملية لم تكن اﻻولى ولن تكون اﻷخيرة اذا لم تحصل المحاسبة الصارمة لخارقي القانون ولمنتهكي حقوق اﻻنسان.

اخيرا ندعو بعض من اتهم وزارة الداخلية بالوقوف وراء ابعاد قصي الى التروي في الموقف، ونؤكد على اهمية التواصل المباشر مع الوزير المشنوق لحل القضايا الشائكة بدل تقاذف البيانات دون جدوى.

نتائج العملية

إضافة إلى إنقاذ قصي الزعبي من براثن مخابرات الأسد، فقد فتح الوزير المشنوق تحقيقاً فورياً، أدى إلى كشف المتواطئين في جهاز الأمن العام، واتخاذ العقوبات الرادعة بحقهم، بعد أن استغلوا مناصبهم لأغراض سياسية وأمنية، لا تمتّ إلى المصلحة اللبنانية بصلة.

خطوتان هامتان تمثلتا في تفكيك العصابة البعثية، وسدّ الثغرة في الأمن العام، يـُفـترض أن تشكلا مظلة حماية لمنطق الدولة والقانون في وجه منتهكيه لصالح نظام الاستبداد القابع في دمشق.