لا مجال للإنتصار المطلق في طريقة تفكير الرئيس الأميركي باراك أوباما، فمنحى قراراته وسياساته غالباً ما يؤدي إلى إنتصارات تكتيكية أو أنصاف انتصارات. ومن منظور حلفاء أوباما، يعود ذلك إلى طبيعته المتردّدة وعدم الحسم في أخذ الخيار. 

مجمل التقييمات المتعلّقة بأداء الرئيس الأميركي تشير إلى تأخّره في تلقّف التطورات واستباقها، وعلّة ذلك تكمن في "أمركة" القرارات وحصر الإهتمامات في الداخل. أما في الخارج فتترك التطورات لمجرى الريح، ولما تؤثر فيه ضغوط الكونغرس، التي يسعى أوباما أمامها لإنجاز إتفاق تاريخي في الشرق الأوسط، يضاف إلى إنسحابه من العراق وأفغانستان.

يبرّر البعض طريقة تعاطي أوباما في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويعتبرونه صاحب نظرة واقعية، يحقق ما يريد دون التدخّل مباشرة. أي يبدو وكأنه من "يلقّم المسدس، ويعطيه لغيره كي يطلق النار"، هذه السياسة لا ترضي الكثير من الساسة الأميركيين؛ جمهوريين وديمقراطيين، الذين يعتبرون أن هذا المنطلق السياسي لا يرقى إلى حجم ودور الدولة العظمى.

وبمعزل عن التقييم والتصنيف، فعلى الرغم من عزم أوباما، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، للخروج من الشرق الأوسط والإتجاه نحو الباسيفيك لمواجهة الصين، إلا أن غياب البديل عن ضبط الإيقاع الأميركي أدى بالمنطقة إلى هذا التدهور. ويُحمّل أبناء الشرق الأوسط مسؤولية تردّي أوضاعهم إلى عدم اهتمام واشنطن بشؤونهم، فكانت داعش بديلاً للفراغ، في مقابل استمرار الأنظمة القمعية في إستغلال هذه الثغرة الدولية للبقاء على جثث شعوبها.

من وجهة النظر الأوبامية فإن واشنطن عادت إلى الشرق الأوسط بمطلب عربي ودولي واسع، العودة هذه المرّة ليست للحسم، بل لترتيب الأمور على قاعدة "لا يموت الذئب، ولا يفنى الغنم". هذا ما يريد أوباما إنجازه ليزيل عن كاهله عبء شرق يفيض بالدماء، معقد إلى أقصى الحدود، لا قدرة فيه لأحد للانتصار على الآخر، ولا لمحور على محور. لا ضير بالنسبة إلى واشنطن توزيع الأدوار بين القوى المختلفة على معاركها، شرط ضمان ضبط الأمور، واستمرار السيطرة على منابع النفط والتحكّم به وبأسعاره، وضمان أمن إسرائيل. ولا ضير في المزيد من التناحر واستمرار إزهاق الأرواح.

أحداث اليمن، والغارة الإسرائيلية التي استهدفت موكباً لحزب الله والحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية، والوضع العراقي، والإستنزاف السوري ضمن الستاتيكو المرسوم والثابت غير المتغيّر حالياً، جميعها عوامل وإشارات إلى ماهيّة الوضع واستمراريته في ضوء السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط؛ لا منتصرين ولا مهزومين، في سعي أميركي لتكريس حال المساكنة بين المتخاصمين. وعليه فلكل خصم رؤيته في التعاطي مع هذه السياسة الأميركية، فهناك من يريد تحقيق المزيد من المكتسبات، ومن لا يعوّل إلا على إنقضاء ولاية أوباما لإنتظار أي جديد.

يعبّر ما حصل في اليمن مؤخّراً عن ثبات هذا الستاتيكو الدولي الذي يريد أوباما تكريسه، اقتحام الحوثيين مقرّ الرئاسة فرض شروطاً على تعديل الدستور وبالتالي أصبح من حقهم التعيين في كل المراكز والمناصب. ربما هو استنساخ للنظام اللبناني وهذا ما ينسحب على ما حصل في العراق مع حكومة حيدر العبادي. في سوريا الواقع على حاله، لم يحن وقت تغييره، قبل الغارة الإسرائيلية على القنيطرة، كان هناك وجود للعامل الإسرائيلي وحزب الله وجبهة النصرة. تأتي الغارة لتثبيت ذلك، الإسرائيلي موجود، رسم حدود لوجود حزب الله، والنصرة بقيت على وجودها.

كل المؤشرات تدلّ على إنعدام مفهوم الإنتصار المطلق، في النهاية سيكون الحل على الطريقتين العراقية واليمنية، وفي مجال أوسع سيكون لكل دولة مؤثرة دور في كل ساحة صراع؛ لإيران تأثير في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وكذلك بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. لتبقى روسيا على تقوقعها. وإيران طامحة للعب الدور مكانها، أما السعودية فهي لا تعوّل على شيء الآن، تحارب بالنفط، وتبدو قادرة على الإستمرار في لعبة الإستنزاف إلى ما بعد خروج أوباما من البيت الأبيض، ومجيء البديل للبناء مجدداً، سكوتها في اليمن مؤشر لذلك، فالأكيد أن جارها العاصي على الخضوع لأحد، سيستنزف إيران في حرب أهلية تدوم سنوات. بعد أوباما حديث آخر.