اذا كان من المريح والمفيد ان "لبنان محبوب من كل دول المنطقة لأنه مميز بأهله وجوّه وموقعه"، كما يقول السفير السعودي علي عواض عسيري، فمن الأهم والأكثر فائدة وضرورة، ان يكون محبوباً من ابنائه او من قبائله السياسية المتنازعة التي طالما ذبحته ومزقته تمزيقاً.
حديث عسيري الى "اذاعة الشرق" بدا أشبه بلعبة بلياردو سياسية حاذقة أرادت ان تصيب ثلاث كرات متدحرجة على طاولة الحوار في لبنان والمنطقة، وخصوصاً عندما قال ان اساس نجاح الحوار أي حوار هو "لغة الحكمة وصدق النية وتوافر آلية وجدول أعمال مفيد، بدلاً من توجيه اصابع الإتهام هنا وهناك" .
لم يستعمل مثلاً عبارة "رفع الأصابع في الوجوه" التي تعني الكثير للبنانيين، فهو يظهر حرص الرياض المعلن تكراراً، على ان تنجح الحوارات الثلاثة، محلياً الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، والحوار بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، واقليمياً المساعي الحثيثة التي بذلت وتبذل لترتيب حوار بين السعودية وايران .
عندما يقول "إن المشكلة في لبنان هي الجغرافيا السياسية"، فمن الواضح تماماً انه يأمل او يتمنى ان يصير نوع من فضّ الإشتباك بين الحوارات اللبنانية والظروف الحالية والتطورات الإقليمية والدولية، وان يركّز اللبنانيون على مصلحة بلادهم، وخصوصاً في مسألة إنتخاب رئيس للجمهورية التي هي "إختيار للمسيحيين اولاً وللبنانيين كافة"، ذلك ان ربط لبنان بالجغرافيا السياسية المتنازعة في المنطقة والعالم حتى، هو الذي يعمّق النزاع بين اللبنانيين ويعطّل مسيرة الدولة، بما يجعل نجاح الحوار بينهم مسألة مصير ... ولهذا "إختاروا رئيسكم ونحن نبارك لكم فالجهود الخارجية مشكورة لكنها مسؤولية اللبنانيين في الدرجة الأولى".
في هذا السياق بدا رأيه في حل الأزمة السياسية اللبنانية مشابهاً لرأيه في حل الأزمة الاقتصادية الإيرانية، عندما قال: " اذا كانت ايران تعاني من وضع اقتصادي سيىء فلتنظر الى الداخل وليس الى الخارج فالحلول داخلية". وفي رأي الكثيرين ان هذه نصيحة ثمينة، لأن إنغماس ايران في محاولات تغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة، على ما يجري في سوريا والعراق ولبنان واخيراً في اليمن، هو الذي يضرب اقتصادها، وان انغماس اللبنانيين في تداعيات هذه الجغرافيا السياسية هو الذي يفاقم ازمات بلدهم ويعمّقها !
كان من المفيد التذكير بأن خادم الحرمين الشريفين إستدعى سفراء الدول الغربية قبل أربعة أشهر ودعاهم الى ضرورة تحرك العالم للقضاء على ظاهرة الإرهاب المتمادي الذي سينتقل الى ديارهم، وخصوصاً الآن مع ارتفاع المخاوف الغربية من الأعمال الإجرامية كالتي شهدتها فرنسا، ولأن السعودية هي من أكثر الدول التي اكتوت بنار الإرهاب وكانت الأكثر نجاحاً في محاربته كما كرر باراك اوباما، فأنها تدعو الى مكافحته بكل الوسائل من الفكر الى تجفيف المنابع !