لعب على عبدالله صالح لعبة العودة الى السياسة اليمنيّة من بوابة الحرب المفتوحة على خيارات سياسية لن تعيد اليمن الى كنف الدولة أو الوحدة الى حضن الشعب وجاء تحالفه مع الحوثية الزاحفة الى السلطة تدشيناً لمرحلة سياسية زيديّة تخرج الآخرين أخصاماً لائذين بتنظيم القاعدة للاستعانة به على عدو كبُر وصار بحجم دولة أكبر بكثير من الدولة التي غادرها عنوة على عبد الله صالح ليحمي رأسه من سيف الربيع العربي البتّار .

وصل على سالم البيض الى مبتغاه في استرداد الحق المسلوب بعصيان مدني جنوبي همّه الانفصال عن الشمال الذي سرقه باسم الوحدة وبات الجنوبيّون على مسافة قريبة من ربيع الحلم الذي أرّقهم منذ أن تشارك على سالم البيض وعلي عبد الله صالح في سلطة استأثر بها الثاني وذهب ضحيتها الأوّل بعد حرب جعلته شريداً منفيّاً من يمنه بعد أن كان رئيساً  للجنوب ونائباً للرئيس أثناء وحدة اليمن.

بين "العليين" يمنٌ يتم تهديمه بحرب لن تتوقف نتيجة لأوضاع يمنية انقساميّة مُزرية تحاول فيها كل فرقة مسلحة الامساك بأوراق القوّة الميدانية لتتحكم بالسلطة القادرة على اعادة هيكل الدولة وفق مشتهاها وتلبية لمصالح المموّلين لحرب تدمير اليمن من دول اقليمية مستفيدة من انتشار الحوثيين كقوّة احتلال طائفي ومن الاشراف على نهاية جماعة عبد الله الأحمر الاخوانيّة واعادة خلط أوراق التحالفات اليمنية بطريقة تنسف فيها الرهانات الوطنيّة على حراك شعبي كان مُقدر له بناء يمن جديد خارج سياق الأحداث القائمة على أبواب القصر الجمهوري .

يبدو أن هناك من يلتقط اللحظة الراهنة لخطف اليمن وايداعه مصرف الحسابات الاقليمية في ظل خسارة سورية وعراقية وتنامي زائد للحركات الاصولية السُنية السلفية في ظل عدم اهتمام دولي بما يجري في الساحة اليمنيّة من تغيير لمنطق وقواعد السلطة ووفق حسابات لا تمت بصلة الى مصالح اليمنيين الوطنية .

ان وصول الحوثيين الى مسؤولية السلطة دفع ويدفع بالبلاد الى استحضار البارود المطلوب لتدمير اليمن بعد أن خرج من آتون الربيع العربي دون خسائر تٌذكر في لحظة انصهار عاطفي بمجرى أحداث الوضع العربي ووفق مشتهيَات الشعوب العربية .

لذا يبدو المشهد اليمني الحالي متواضعاً أمام مرحلة ستنعدم فيها فرص النجاة من دوامة الحرب الأهليّة لأن أيًاً من الأطراف المسؤولة يدّعي خلاف ما يُضمر تجاه قضايا حسّاسة جداً أوّلها باب المندب والارهاب وآخرها مستقبل دولتين جنوبية حرّرها الواقع وشمالية يسعى اليها الايرانيّون حوثيّاً والسعوديّون سلفيّاً ويبدو المجتمع الدولي قاعداً عن نصرة ما يعيد للشعب صوابه المفقود في ظل عناوين طائفية تعصف بأدراج رياح الثورة .