أكثر من سؤال يُطرح على تيّار المستقبل من قبل المنتسبين لشعارات تآكلت الواحدة تلو الأخرى حول ما تبقى له من دور وطني في ظل غياب شبه تام عن مجرى الأحداث العاصفة بلبنان الذي كان مُقدراً له أن يكون وطناً في لحظة حرجة أخرجت سورية وسمحت ولأوّل مرّة في ولادة ظاهرة وطنيّة بمقاييس لبنانية جديدة اجتمع في بطن حملها لبنانيّون مختلفون في الهوية الطائفية والسياسية وكانوا متقاتلين لسنيين طويلة ومن المنتمين الأقوياء للحرب الأهلية .

قد التفّت ساق الزعيم وليد جنبلاط بساقيّ كل من الرئيس أمين الجميل وقائد القوّات اللبنانيّة سمير جعجع وكان المشهد كبيراً بتيّاريّ الحرّ والمستقبل وكان مُقرراً للحريرية الوافدة على السياسة أن تستمر كقيادة لسفينة تمخر عُباب البحر السوري بقوّة للرسوّ بها على الجودي الآمن والمستقر .

هكذا نظر جيل لم يخبر الحرب الأهلية ولا سياسات البيع والشراء في لبنان ولكنه حضر الدور السوري بكل فروعه وظنّ أن الساعة آتت في لحظة مجنونة اغتيل فيها رمز متعدد الأبعاد واستفاقت من مقتل الرئيس الحريري أحلام لبنانية كانت تتحوّل الى كوابيس سورية كلما حاول أحد الخروج قليلاً عن نظام الوصاية .

ومع الأخطاء السياسية الفادحة لجماعة 14 آذار ومع السلوك السلطوي السيء الذكر في الادارة والمؤسسات تبيّن لهذا الجيل أن رهانهم على روّاد الاستقلال الجُدد قدّ خسر ما تبقى لديهم من أحلام مع سقوط شعارات الأرز ومع سقوط مُخزي للمستقبل من رئاسة الحكومة .

بعد الانقلاب على الرئيس سعد الحريري وهروبه من لبنان انهار مشروع 14آذار وبات لكل فريق حساباته الخاصة من جنبلاط الى الكتائب في حين تريّثت القوّات في فكّ تحالفها المشروط مع المستقبل لقلّة الخيارات السانحة والمفتوحة أمام قيادة قوّاتية يحاصرها باستمرار تاريخها الأسود والذي لم تستطع الدفاع عنه كما استطاع الآخرون من قيادات الحرب الأهلية.

هذا التفكك لقوى 14 آذار جعل من المستقبل البديل القادر على استكمال الدور كطرف طائفي وازن في كفّة الطوائف والراجح في الميزان الشيعي- السُني دون أن يشعر بوهن التفكك الذي حصل في داخل جبهته الوطنيّة وبدأ يناكف جماعة 8 آذار بمقاومة لئيمة لحكومة الميقاتي وخاصة لنجيبها الذي اجتبته سورية رئيساً لمرحلة ضعُف فيها الحريري وبات منتظراً على رصيف الأزمة في سورية لعلّ واشنطن تصدق هذه المرة وتُسقط نظام الأسد ويسقط معه حلفاؤه في لبنان فتأتي حسابات البيدر اللبناني مناسبة لحسابات الحقل السوري ويصبح المستقبل الفيصل في السياسة اللبنانيّة .

بعد أن تبخر الوعد الأميركي وكعادته في فضاء مصالحه وأصبحت الأزمة ومن ثمّ الحرب في سورية سوق وبزار كبير مفتوح على تُجار كبار اقليميين ودوليين ومع بروز جماعات اللحى كقوةّ جهادية سُنيّة ممسكة بجزء كبير من سورية في ظل امتداد وتعاطف من سُنة لبنان مع انجازات التيّارات الجهادية والذي أدّى الى بروز حالة الشيخ الأسير في صيدا وحالات مماثلة في طرابلس شعر المستقبل أنه أصغر بكثير من لعب دور كبير يتطلب " جهاداً " على قاعدة " القاعدة " لا تجارة على طريقة المنتفعين من الحريرية الطائفية والسياسية لذا انحاز بالكامل الى حلف غير مرئي مع حزب الله عدوه القادر على التقاطع معه للعودة الى السلطة من جهة ولمواجهة الاسلاميين الجُدد من جهة ثانية للحفاظ على موقعه في طائفة وفرت له قوّة الحضور في حين أخفق في توفير قوّة النفوذ لها.

يمكن اعتبار حكومة الرئيس تمام سلام اوّل التعاطي السياسي الايجابي بين حزب الله والمستقبل وما نتج عنها من خطط أمنيّة طالت المسلحين السُنة من روّاد محاور باب التبّانة وما تبع ذلك من أعمال أمنية ما كانت لتتم لولا التغطية الطائفية التي وفرها المستقبل داخل حكومة الشراكة مع حزب الله .

لقد وصل المستقبل مع حزب الله ونتيجة لوصول تنظيم الدولة الاسلامية الى مواقع متقدمة لا في العراق وسورية فحسب بل في داخل الجسم السُني .الى حوار يؤسس لشراكة سياسية تحمي المصالح الطائفية للطرفين وتعيد لبنان الى الفترة التي تعايش فيها الحريري الأب مع حزب الله ومقاومته سواء أكان ذلك طوعاً أو قسراً لعدم استطاعت أيّ من الطرفين الغاء الآخر واذا كان الضغط السوري آنذاك هو الذي وضع الأعداء في عُلبة السلطة فان ضغط داعش قد يكون أكثر ضغطاً على نفس الطرفين المهددين من اسلاميين قادرين على فعل كل شيء .

نعم سننتظر اتفاقاً بين حزب الله وتيّار المستقبل وسيجد المنتسبون للمستقبل في الاتفاق ما لا يؤمنون به من أفكار ظنّوا أنها ممكنة في لحظة طيش سياسي لأن القويّ وحده من يفرض الشروط وعلى الضعيف التكيّف معها .. لقد منح حزب الله تيّار المستقبل تأشيرة دخول الى السلطة وفرصة العودة الى الحياة السياسية من موقع القيادة الشكلية وعليه يقع واجب التجاوب مع دور يتجاوز طموحات بحجم حكومة وبحجم قيادات تسعى الى السلطة لتكبير الثروة .