محض وزير الخارجية الاميركية جون كيري من جنيف المساعي التي تقودها روسيا من اجل اجراء محادثات جديدة بين النظام والمعارضة السوريين في لقاءات مباشرة يفترض ان تعقد بين السادس والعشرين والتاسع والعشرين من الشهر الجاري في موسكو تأييده. كما اشاد في الوقت نفسه بالجهود التي يقوم بها مبعوث الامم المتحدة للسلام في سوريا ستيفان دو ميستورا على اثر عقد لقاء بينهما في جنيف في موقف فسرته مصادر ديبلوماسية متابعة بمحاولة الديبلوماسية الاميركية تشكيل رافعة لمنع انهيار تحركين روسي ودولي في اتجاه سوريا يملآن الفراغ الدولي راهنا في ظل غياب اي جهود حقيقية لحل النزاع بحيث قد تجد الولايات المتحدة نفسها في حرج وضغوط قوية من اجل التقدم وعدم ترك تواصل الحرب في سوريا على ما هو عليه. ذلك ان الدوران في فلك المبادرتين المذكورتين يعفي واشنطن من مسؤولية البحث عن توافق على حل ما للازمة السورية في الوقت الراهن في انتظار الانتهاء من الملف النووي الايراني ما قد يجبرها على القيام بجهود او بمبادرة ما في حين ان حماسة الادارة الاميركية للموضوع السوري لم تتبدل ولا تزال على فتورها او برودتها بحيث لا يؤمل منها اي انخراط فعلي على هذا الصعيد اللهم باستثناء توجيه الضربات العسكرية الجوية لمواقع تنظيم الدولة الاسلامية. فالمحادثات التي دعت اليها روسيا توشك على الفشل في ظل تراجع افرقاء اساسيين من المعارضة السورية عن المشاركة فيها مما يفقد موسكو ورقة مهمة حاولت توظيفها من اجل تقوية موقعها وتعزيزه في مواجهة ما تواجهه من عقوبات وضغوط من الدول الغربية. وبدا موقف كيري من المبادرة الروسية بمثابة نفي لاي مسؤولية اميركية عن فشل المحادثات المرتقبة على الاقل من خلال عدم تشجيع المعارضة السورية على المشاركة فيها في ظل التوتر الراهن بين الولايات المتحدة وروسيا نتيجة تفاعل المواقف بعد ازمة اوكرانيا او من خلال دفعها الى عدم المشاركة. وانهيار المبادرة الروسية التي تقول موسكو انها مبنية على بيان جنيف واحد من دون التزام حرفية المرحلة الانتقالية التي تقضي بان تعود صلاحيات السلطة التنفيذية الى الحكومة الانتقالية بدلا من بقائها في يد الرئيس السوري بشار الاسد في ظل تمسك هذا الاخير باستمرار الامساك بالامن والجيش ودعم موسكو وايران ذلك سيكون امرا سلبيا جدا لموسكو التي تحاول ان تدفع بوساطتها في الموضوع السوري جنبا الى جنب مع تسويق تفسيرها للحل او لبيان جنيف واحد. ما يعني ان هذه القاعدة لا يمكن ان تشكل اساسا لانطلاق الحوار. وهي نقطة تصيب في الوقت نفسه في العمق المبادرة التي يستند اليها المبعوث الدولي دوميستورا ايضا، ولو انه يقارب الازمة السورية من زاوية اخرى انطلاقا من وقف للنار يفترض ان يؤدي في نهاية الامر الى عملية سياسية على اساس مفاوضات بين النظام والمعارضة.

ووزير الخارجية الاميركي اعرب في الوقت نفسه من جنيف عن امله ان يكون لجهود الامم المتحدة التي يقودها دو ميستورا تأثير، فيما ترددت معلومات ان المبعوث الدولي الى سوريا الذي افيد عن الاحتمالات الكبيرة لتوليه ادارة الفراغ الدولي في سوريا لدى تكليفه من مجلس الامن تبنى مقترحات لمركز الحوار الانساني في جنيف تقول بتجميد القتال في سوريا بدءا من حلب على قاعدة مقاربة لامركزية واسعة وبقاء الرئيس السوري بشار الاسد بناء على تشجيع ضمني اميركي للسير بهذه المقترحات انطلاقا من ان دو ميستورا لم يكن ليندفع من دون الدفع الاميركي ولو غير المباشر. وذلك مع العلم ان المقاربة التي وضعت وخضعت للتوظيف الاميركي اثارت جدلا كبيرا في المركز المذكور في جنيف انطلاقا من انه مركز مستقل لا يخدم اهداف دول او يعمل من اجلها. في اي حال فان المبادرة لم تلق تشجيعا من دول اقليمية التي لم تستقبل دو ميستورا او استقبلته على مستوى ديبلوماسي منخفض كما فعلت تركيا مثلا الامر الذي شكل انذارا مبكرا الى العقبات التي تعترض السير بالمبادرة. في الوقت الذي اثار نشر المبادرة في بعض وسائل الاعلام الاميركية المؤثرة ردود فعل سلبية تخشى مصادر معنية ان تكون خففت من الحماسة التي رافقت التسويق للاقتراح الاساسي الذي يبني عليه دو ميستورا انطلاق مبادرته اي تجميد الصراع في حلب بداية. الا ان مصادر اخرى ترى في الدفع الذي قدمه كيري لدوميستورا في جهوده لوقف القتال في حلب رسالة قد يرمى من خلالها استهداف الجانبين السوريين المعنيين اي النظام والمعارضة. اذ ان النظام السوري الطامح بقوة لان يحظى مجددا بالقبول الاميركي يمكن ان يتلقف الخطة ايجابا لجهة حصول هذه الخطة انطلاقا من ان الخطة قد تفتح الابواب امامه للقبول الذي يود الحصول عليه كما ان المعارضة يفترض ان تتأثر ايجابا بالدعم الاميركي للخطة من اجل السير بها وانجاحها. وتاليا فان الاحتمال المرجح لفشل المبادرة الروسية والذي سيتضح سريعا قبل نهاية الشهر الجاري سيترك المجال لمبادرة دو ميستورا من اجل الاستمرار في محاولة تعبئة الفراغ على نحو يماثل بالنسبة الى المصادر الديبلوماسية ما يسعى الافرقاء اللبنانيون اليه من الحوار في شقيه المسيحي المسيحي او السني الشيعي اي تعبئة الوقت الضائع بما يشغل الرأي العام ويملأ الفراغ في انتظار توافر الظروف لايجاد الحلول.