أما وقد حدث ما حدث في باريس، وعلى صحفيي مجلة شارلي إيبدو الهزلية الساخرة والتافهة ، وبعيدا عن الدخول في تفاصيل الحادثة وما حُكي عنها وعن ابعادها المؤامراتية، حتى وصل الامر بالبعض للتشكيك او على الأقل لطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي رافقت الحادثة وما تلاها.

بعيدا عن كل هذه التفاصيل، يبقى ان حقيقة ثابتة وواقع لا بد من الاطلالة عليه ومقاربته  بموضوعية، وبالكثير من العقلانية المتجردة عن أي مسبوقات عاطفية بهذه المناسبة، وهو ان صورة الإسلام المأخوذة حتما من حاضر المسلمين ومن معظم تاريخهم ليست هي الصورة التي يستطيع من خلالها المسلم ان يقف مستنكرا ما أقدمت عليه هذه المجلة او غيرها، وبالتالي فانه يكاد يكون مبررا لامثال هؤلاء ان يعكسوا حالة الاسلاموفوبيا التي يعيشونها بكل سياقاتها المعرفية.

وهذه الحالة انما المسؤول عنها أولا وأخيرا هم المسلمون انفسهم، وأخص هنا ما احتوته كتبهم ومراجعهم      و" صحاحهم " من صور ومن روايات واحاديث عن نبيهم لا تنسجم ابدا مع سيرة " وانك لعلى خلق عظيم "، فماذا يمكن ان نقول لجماعة شارلي اذا ما شهروا في وجهنا مثلا حديثا عن رسول الله يقول: " يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح " وقد روى هكذا حديث  ابن ابي شيبة واحمد في مسنده والبخاري في خلق أفعال العباد وابن حيان في الصحيح والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل وغيرهم  .

فماذا ترى يمكن ان نقول نحن قبل أي احد  عن رجل يخاطب قومه بمثل هذا الكلام "الموثّق" ونشاهد الان ترجمة عملية له في سلوكيات المنظمات الإرهابية من أمثال داعش واخواتها، وكيف يمكننا بعد ذلك ان نقف في وجه من يعتبر ان محمدا انما بشّر بالقتل والاجرام وسفك الدم!!

حينها، فان مثل هكذا "نبي" ان وجد، ويدعو لمثل هذه الدعوة يجب ان يكون مستنكرا ومنبوذا من المسلمين قبل غيرهم وهنا يجب ان تكمن الاشكالة الأساسية، ومن هنا يبدأ معالجة الخلل، فلا يكفي ان نلقي باللوم على الاخرين وبأنهم يفهمون نبينا بطريقة مشوهة فيما نحن من يظهّرها لهم يوميا إن بالممارسة العملية او بالتبشير الخاطيء مثل هذه الطرق.

وهذا تماما ما حصل مع الكنيسة وممارساتها الإرهابية ومحاكم تفتيشها في القرون الوسطى مما حدا بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة يومها ان يقول: "لقد مات الله ونحن الذين قتلناه"، بالإشارة الى التخلص من كل الاجرام الذي كان يمارس باسم الله زورا وتحريفا.

وان كان المجال هنا لا يتسع للاستفاضة والحديث عن مكامن العطب وما نال الإسلام ونبيه من تشويه على يد فقهاء الدين والمحدثين والرواة عبر تراكم تاريخي تداخل فيه الديني بكل أنواع المصالح السياسية والشخصية والتفاعلات الذاتية للفقيه ، الا انه لا بد من القول ان بين ظهرانينا يوجد اكثر من اسلام وان الغالب الاعم من المسلمين انما  هم اتباع اسلام ما بعد النبي وهو اسلام جديد مختلف تماما ولا علاقة للرسول محمد بن عبد الله به لا من قريب ولا من بعيد.

وبان نبي هذا " الإسلام " الموجود بشقيه الشيعي والسني هو الفقيه فقط، وان المسلمون هم اتباع الفقيه وليسوا اتباع محمد.

وعليه فان حقيقة الامر ان الإساءة التي توجه على انها للنبي محمد(ص) المبعوث رحمة للعالمين، انما هي موجهة بالواقع للفقيه فقط

وهذا ما يجب ان يعرفه المسلمون قبل جماعة شارلي وغيرهم .