مرّ مجلس التعاون الخليجي منذ بدء الثورة الشعبية السورية على نظام الأسد قبل نحو 4 سنوات وخصوصاً في السنتين الأخيرتين بمرحلة صعبة أظهرت غياب التنسيق الجماعي بين أعضائه الستّة، وبروز خلافات شديدة بين الدولة الأكبر فيه المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة والبحرين وبين قطر، تطوَّرت لاحقاً إلى نوع من القطيعة الديبلوماسية بسحب الثلاثة سفراءهم من الدوحة.

وأظهرت في الوقت نفسه تميُّز دولتين من أعضائه بمواقف مرنة من الخلافات المشار إليها، وايضاً من العوامل – الأسباب الاقليمية التي أدت إليها. فسلطنة عُمان اتخذت موقفاً حيادياً بالكامل من الصراع بين المملكة وحليفيها وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشكِّل التهديد بل الخطر الأكبر عليهم في هذه المرحلة.

لكنه حياد إيجابي إذا جاز التعبير إذ سعت، جراء علاقتها الجيدة والتاريخية بإيران (قبل الثورة الإسلامية) وجراء انتمائها الخليجي العربي ومتانة روابطها مع أعضاء مجلس التعاون، إلى إيجاد حلول أو على الأقل تسويات بين الفريقين أو حتى تفاهمات من أجل تنفيس الاحتقان السائد.

طبعاً لم تحقق عُمان كل النجاح الذي أرادت، لكنها ساهمت في حلّ بعض الإشكالات. كما أنها وبنجاحها في "التوسُّط" بين واشنطن وطهران ساعدت في حوارهما المتنامي والواعد على رغم العقبات المعروفة. ومن شأن ذلك في حال توصُّلهما إلى اتفاق شقّ طريق الحوار والتفاهم لاحقاً بين دول "الخليج العربي" ودولة "الخليج الفارسي".

علماً أن حيادها لم يصل إلى درجة التخلي عن دعم حق شقيقتها الإمارات العربية المتحدة في استعادة الجزر الثلاث التي تحتلها إيران منذ عقود. وقد ظهر ذلك أكثر من مرة في البيانات "الإجماعية" التي صدرت في انتظام بعد كل قمة خليجية أو اجتماع لوزراء خارجية دول "مجلس التعاون".

أما الكويت المتوافقة مع الثلاثي السعودي الإماراتي البحراني في صورة عامة، فإنها امتنعت عن مجاراته في سياساته العملانية ضدّ إيران الإسلامية وحلفائها في المنطقة من دول وتنظيمات. لكنها منسجمة معه في سياساته العامة وأهدافها وكذلك في مخاوفه.

وقد عبّرت عن موقفها الوسطي هذا، إذا جازت تسميته كذلك، بالاحتفاظ بعلاقة جيدة مع طهران وبمحاولة تذليل عدد من العقد والصعوبات معتبرة أن دورها يكمن في التوفيق من دون التخلِّي عن التضامن مع الأشقاء الحلفاء في الاستراتيجيا العامة وفي أوقات الشدّة.

ويمكن القول هنا استناداً إلى مصادر خليجية مطلعة وموثوق بها أن ما مرّ به "مجلس التعاون" خلال المدة المذكورة أعلاه كان الأزمة الأكثر خطورة التي تعرَّض لها منذ تأسيسه. ولعل هذا التقويم المشترك لما حصل بين "دوله" الست على رغم خلافاتها، وكان يمكن أن يهدِّد لا وحدته فقط بل استمراره ووجوده أيضاً، هو الذي دفعها إلى التصالح في ما بينها، ولكن "ليس" "بتبويس" اللحى" أي من دون حل أي مشكلة أو التفاهم على خطوات مستقبلية سياسية مشتركة.
في هذا المجال يمكن القول أن نقص التنسيق في السياسة الاقليمية بين دول "المجلس" ظهر في وضوح غير مسبوق في المناقشة "المشاكسة والحادة والعنيدة" بين الرياض وأبو ظبي والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى حول دعمها الواسع للتنظيمات الإسلامية الواسعة الانتشار مثل "جماعة الاخوان المسلمين"، ولتنظيمات أخرى معروفة بتطرُّفها حتى العنف والتكفير.

والدافع إلى ذلك كان اعتبار "الثلاثي" المتحالف الدعم المذكور تهديداً مباشراً له ولـ"الملكيات" في المنطقة.
هل المصالحة التي جرت بين قطر والثلاثي المشار إليه ثابتة ونهائية؟
السؤال مبرّر لأن مصالحات أو بالأحرى مشروعات مصالحات حصلت أكثر من مرة في السابق، وخصوصاً بعد تخلِّي أمير دولة قطر حمد بن خليفة عن رئاسة الدولة لنجله تميم. لكنها فشلت، وأغضبت زعماء الثلاثي وفي مقدمهم العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز بسبب عدم التزام الرئيس – الأمير القطري الجديد تعهدات ووعود قدمها لإنهاء الخلافات.
اما الجواب عنه بالجزم أن المصالحة ستدوم، وأن سياسة قطر الخليجية والسورية والاقليمية والإسلامية ستنسجم تماماً مع سياسة السعودية والإمارات والبحرين، يبقى أمراً غير ممكن. كما يبقى غير ممكن جواب آخر هو أن المصالحة ستفرط في وقت قريب.

فهي في مرتبة "البين بين" كما يقال، ولذلك لا بد من معرفة على ماذا تمّ الاتفاق بين المختلفين في "مجلس التعاون" قبل إعطاء جواب حاسم عن مصير المصالحة.