مِن نافل القول إنّ ما كشفَته القناة الإسرائيلية الثانية عن الالتباسات التي أحاطت بمشاركة بنيامين نتانياهو في التظاهرة المليونية دعماً لفرنسا الأحد الماضي، والطلب الفرنسي من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس المشاركة، ردّاً على ذلك، يكشف دقّة الحال السياسية التي تعيشها باريس والعواصم الأوروبّية عموماً.

فيما تشهد تلك الدوَل موجةً من التظاهرات والتظاهرات المضادة في مواجهة حال «الإسلاموفوبيا» التي تجتاح العالم، يأتي «توضيح» البيت الأبيض لملابسات عدم مشاركة أيّ مسؤول أميركي رفيع في تلك التظاهرة، ليُغطّي على حال الحذر السياسية نفسها، التي أملت على إدارة الرئيس باراك أوباما عدم المشاركة فيها.

فـ«الخطأ» الذي أشار إليه المتحدّث باسم البيت الأبيض جوش أرنست، يمكن اعتباره خطأً محسوباً، لا بل الاعتبارات التي أملَت على الرئاسة الفرنسية التمني على نتانياهو عدم المشاركة في تظاهرة الأحد، لكي لا تتحوّل الأرض الفرنسية مسرحاً لمواجهة إسلامية - يهودية في هذا التوقيت، لعلّها هي نفسها التي أملَت على الإدارة الأميركية عدم الحضور.

هذا ما ألمَحَ إليه بعض الأميركيين المعنيين، خصوصاً أنّ أمن الرئيس والترتيبات اللوجستية المطلوب توفيرها، كان في الإمكان تجاوزها عبر إرسال نائبه أو على الأقلّ وزير خارجيته.

فواشنطن يبدو أنّها اختارت عدم التورّط في هذا الجدل، لاعتبارات داخلية أميركية أوّلاً، وللحرب التي تخوضها في أكثر من مكان في العالمين العربي والإسلامي ثانياً.

غير أنّ إعلانها قبل يوم من انطلاق التظاهرة عن تنظيم قمّة حول الإرهاب في 18 شباط المقبل، أي بعدَ أكثر من شهر، يؤكّد أنّ الموقف الأميركي يسعى إلى الابتعاد عن إقحامه في مواجهة مع «الإسلام»، فيما الزعماء الأوروبّيون يشاركون، الواحد تلوَ الآخر، في تظاهرات مندّدة بتحميل المسلمين مسؤولية أفعال المتطرّفين.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، فهناك من يتحدّث عن اتصالات حثيثة وضغوط في طريقها للتحوّل إجراءات سياسية واستخبارية تشمل دوَلاً عدّة في مقدّمها تركيا، خصوصاً أنّ الحماوة السياسية عادت لتدبَّ في أكثر من ملف.

تسريبات صحيفة «ديرشبيغل» الألمانية عن بناء موقع نوَوي في سوريا قد تعيد تسليطَ الضوء مجدّداً على ما يمكن القيام به في هذا البلد، خصوصاً أنّ الخارجية الأميركية أوضحَت بشكل لا لبسَ فيه، أنّ المبادرة الروسية محكومة بالفشل، فيما الجهود منصَبَّة على محاولة إعادة تصليب موقع المعارضة السورية المقبولة في المرحلة المقبلة.

«الالتباس» الذي نُسِب إلى الخارجية الأميركية عن «تحوّل» في الموقف من النظام السوري، يردّ عليه مصدر أميركي بالقول إنّ ما أعلنَته المتحدّثة ماري هارف لا يعدو تذكيراً بالموقف الأميركي من مؤتمرَي «جنيف 1» و«جنيف 2»، القائمَين على تشكيل هيئة حكم انتقالية.
فالمفاوضات التي شهدَتها جنيف لم تكن بينَ أشباح أو وسائط، بل بين المعنيّين بملف الأزمة السورية، أي النظام والمعارضة.

وما حصلَ منذ انفضاض «جنيف 2» كان تحلّلاً لتلك المعارضة بعد الضغوط المتنوّعة التي تعرّضَت لها، فيما المبادرة المصرية لإعادة توحيدها تأتي في هذا السياق ووفق تنسيق جيّد مع واشنطن.

ولا يُخفي هؤلاء المعنيون الإشارةَ إلى أنّ وضع المنطقة يزداد تعقيداً، في وقتٍ لا يمكن لأيّ طرف ادّعاءَ القدرة على قلب الطاولة وتغيير مسار الأحداث. ويؤكّدون أنّ ردّات فعل العالم الإسلامي بشقَّيه السُنّي والشيعي حيال ما حصلَ في باريس، يكشف عن هوّة كبيرة بين الطرفين، فيما يتوحَّدان في ردّ الفعل نفسه من التهديد والوعيد بحقّ من يعتبرونه مسيئاً للإسلام.

هذا ما حصلَ مع الصحيفة الدانماركية عام 2006، حين نظّمَت التظاهرات وحفلات التخوين وإهدار دم كتّابها في دمشق وطهران وبيروت، وقبله مع الكاتب البريطاني سلمان رشدي الذي صدرَت بحقّه فتوى إيرانية بإهدار دمِه قبل نحو عقدين.

مشكلة المنطقة أنّها تعاني من انسداد البدائل، في وقتٍ تنحدر فيه نحو مزيد من التفكّك، سواءٌ كان القيّمون عليها نظماً استبدادية أو جماعات متطرّفة.       الكاتب: جاد يوسف