لقاء موسكو التشاوري ينعقد بمن حضر والخارجية الروسية قررت إعلان عقده من دون انتظار اكتمال مشاورات لدى بعض أجنحة المعارضة السورية، حضوراً أو غياباً. ويبدو أن «هيئة التنسيق» السورية المعارضة ليست على خط القبول أو الرفض، كما قال لـ«السفير» منسقها العام المحامي حسن عبد العظيم، بانتظار رد روسي على «معايير» طرحتها مجدداً في جنيف على ديبلوماسيين روس، وتحوُّل اجتماع القاهرة التشاوري المنتظر إلى لقاء تحضيري أضيق من الاجتماع المقترح سابقاً.
غير أنّ مصدراً معارضاً قال إن «انطباعه عن أيام الاجتماعات، هو غلبة الاتجاه لمقاطعة موسكو، ولكن مع ترك الباب مفتوحاً لمن شاء الحضور من المدعوين، من دون أن تتخذ «الهيئة» موقفاً من حضوره».
والأرجح أنه من دون الأكراد، والمعارض المستقل جهاد مقدسي، لكان من الممكن الخروج بقرار مبدئي في جنيف يميل إلى المقاطعة، مع تباينات داخل قيادة «الهيئة».
وخلال يومين، ينبغي أن يقفل النقاش داخل «هيئة التنسيق» مستقبل المشروع الروسي لإطلاق المسار السياسي في سوريا، قبل الانتقال إلى دمشق لحسم الموقف رسمياً في اجتماع المكتب التنفيذي لـ«الهيئة» السبت المقبل.
وصارت جنيف، التي تستقبل اجتماعاً يضم قياديين من «هيئة التنسيق» ومعارضين مستقلين، محطّ اتصالات ديبلوماسية مصرية ـــ أميركية ــ روسية متقاطعة، قبل إغلاق باب تعديل الدعوات، وترتيب اللائحة الأخيرة للمجتمعين، ناهيك عن التحضير لاجتماع القاهرة التشاوري المعارض، والذي يثير تساؤلات روسية وسورية عن توقيته وأهدافه، وعن طبيعة الدور المصري في التحضير له.
وتتجه الهيئة، التي تقف وراء اقتراح اجتماع القاهرة منذ ثمانية أشهر، إلى تحويل ما يلتئم منه في 21 و22 كانون الثاني الحالي، إلى مجرد اجتماع تحضيري يأتي إليه 22 معارضاً سلمت قائمة بأسمائهم إلى ممثل للخارجية المصرية في جنيف، بدلاً من 75، سيدعون إلى الاجتماع في وقت لاحق.
وقال المنسق العام لـ «هيئة التنسيق» حسن عبد العظيم إن «ضيق الوقت، الذي لن يُسمح بتوجيه الدعوات من قبل مجلس العلاقات الخارجية المصري، هو الذي فرض تأجيل الاجتماع الموسّع إلى موعد لاحق».
وحضر اجتماعات جنيف، التي بدأت الأحد الماضي، عبد العظيم، ونائبه هيثم مناع، ورئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم محمد، وممثله في فرنسا خالد عيسى، والمعارضون المستقلون جهاد مقدسي، ووليد البني، وخالد المحاميد، وعبد القادر السنكري.
واستقطب المجتمعون في جنيف، في لقاءات منفصلة أمس الأول، الديبلوماسي الأميركي منير جنيد، مساعد دانيال روبنشتاين المكلف الملف السوري في الخارجية الأميركية، وديبلوماسيي البعثة الروسية في الأمم المتحدة، ورئيس مكتب وزير الخارجية المصري للشؤون العربية ونزيه النجاري.
ويقول مصدر سوري معارض إن الديبلوماسي الأميركي، الذي لم يلتقِ وفداً مجتمعاً من «هيئة التنسيق»، منذ أن زار مقرّها السفير الأميركي السابق روبرت فورد في دمشق في العام 2011، استمع إلى المعارضين السوريين، وقدّم موقفاً يعكس تحوّلاً نسبياً في الموقف الأميركي من اجتماع موسكو، ويأخذ علماً بالدور المستجدّ لـ «هيئة التنسيق».
ويقول معارض سوري إن الديبلوماسي الأميركي لم يبد اعتراضاً، ولا تأييداً صريحاً، لقرار المشاركة في موسكو، لكنه قال للمجتمعين إنهم نصحوا «الائتلاف» بعدم المقاطعة، وحضور الاجتماع وقول ما عندهم.
وقال مسؤول في المعارضة السورية، مواكب للعملية السياسية، إن الأميركيين عادوا إلى إبداء المزيد من الإيجابية إزاء لقاء موسكو، وإن وزارة الخارجية الأميركية تلقت تعليمات وتقييماً أمنياً، بضرورة منح الروس فرصة ستة أشهر إضافية، لإطلاق العملية السياسية وعدم اعتراض جهودهم.
وجلي أن الرهان الأميركي على التقارب مع دمشق، والانفتاح على ضمّها أكثر فأكثر إلى عملية أوسع لمواجهة الإرهاب، وفتح قنوات تواصل معها، يظل مشروطاً بانخراطها في عملية تفاوضية مع المعارضة، كشرط مسبق وضروري. وهذا ما تعنيه بالضبط تصريحات الخارجية الأميركية بضرورة «جلوس (الرئيس بشار) الأسد إلى أي طاولة للمفاوضات، رغم فقدانه للشرعية» من دون الذهاب بعيداً في توقع انقلابات كبيرة.
ويعكس الإقبال الديبلوماسي المتعدّد، الوعي بأهمية دور «التنسيق» واتجاهها إلى التمركز في محور معارضة الداخل السوري، وتحوّلها تدريجياً إلى مركز الثقل في أي مفاوضات مقبلة مع الحكومة السورية، مستفيدة من مرحلة اضمحلال «الائتلاف» السوري وإخفاقه بشكل عام، والحاجة خصوصاً إلى حضورها لقاء موسكو التشاوري، لتسهيل الفرز داخل المعارضة.
ويمثل قرار «الهيئة» بمقاطعة أو حضور موسكو، أهمية متزايدة، بعدما ردّت أسماء على لائحة الدعوة بطاقاتها إلى المرسل، ومن بينها كما كان منتظراً، «الائتلافيون» الخمسة، وهو ما كان يتوقعه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، عندما التقاهم في اسطمبول قبل شهر، وما أظهره خطاب رئيس «الائتلاف» الجديد، وصقره التركي، خالد خوجة.
وأعلنت منى غانم من «تيار بناء الدولة» عزوفها عن الحضور، في ظل ملاحظات «التيار» على صيغة الدعوة الشخصية لا الحزبية، وعدم تماشي حضور ممثل لـ «التيار» في موسكو، مع استمرار اعتقال رئيس التيار لؤي حسين في سجن عدرا منذ ما يقارب الشهرين، بالإضافة إلى مقاطعة رجل الأعمال أيمن الأصفري.
وللتخفيف من أضرار المقاطعة على اللقاء الروسي، لن يكون كافياً القول إنه مجرد لقاء تشاوري، متواضع الأهداف، وإنه سينعقد بمن حضر في النهاية، لأنه سيؤدي إلى إبطاء المسار. لكن بوغدانوف أعلن ان «الوفود ستصل في السادس والعشرين. في السابع والعشرين تجري اتصالات بين ممثلي المعارضة، وفي الثامن والعشرين بين ممثلي المعارضة والنظام السوري. في التاسع والعشرين تختتم المحادثات ويغادر الجميع موسكو».
ويبدو أن سوء تفاهم قد تعزز بين الروس وبعض المعارضة، بسبب تجاهل الروس رسالتين من «التنسيق» طلبت تغيير معايير الدعوات، وجعلها حزبية بدلاً من شخصية، وهو الأمر الذي يعبر عن عدم اعترافها الكافي بكياناتها، بالإضافة إلى عدم الإجابة على الرسائل.
لكن هل تذهب «الهيئة» إلى موسكو إذا لم تُلبَ مطالبها؟ «نحن لا نفرض شروطاً مسبقة»، قال عبد العظيم، «إنما نطلب من الروس توفير معايير للنجاح».
والحال أن «الهيئة» لا تعقد آمالاً كبيرة على لقاء موسكو. وبخلاف المرحلة التي سبقت مؤتمر جنيف، تراجعت الثقة التي كان يوليها «التنسيقيون» للروس، إذ شعرت بعض قياداتهم بـ «خيانة» الروس لوعود قطعت لهم، بفرض شراكة في التمثيل المعارض في مفاوضات جنيف، والذي اقتصر في النهاية على «الائتلاف» وحده، وبقرار أميركي، لم يعترض عليه الروس آنذاك. ولكن الروس قالوا لهيثم مناع آنذاك «لندع الأميركيين يفشلون، لأنهم سيعودون إلينا طالبين المساعدة بالحل».
وتسعى «الهيئة» لتدعيم خياراتها وهامش مناورتها، عبر إحياء دور مصري والحصول على تأييد عربي، يحدث توازناً إزاء الأدوار الأميركية والروسية، ويعيد تأهيل «شريك عربي كبير»، وهو رهان، يرى فيه السوريون والروس احتمال أن تكون السعودية، اللاعب الحقيقي خلف الديبلوماسية المصرية، كما يعتقدون، لتقويض جهود روسية وسورية تضع الحل على السكة، بعيداً عنهم.
كيف يقارب «التنسيقيون» موسكو؟
أولاً، تضع «الهيئة» على لائحة المآخذ استقبال موسكو معارضاً يلعب دوراً كبيراً في تسيير شؤون اللقاء التشاوري، وتسمية المشاركين فيه وفرض خيار الأشخاص بدلاً من الأحزاب، فضلاً عن توجيه دعوات إلى أشخاص لا يقفون فعلاً في صف المعارضة.
وانتقد عبد العظيم، في حديث لـ «السفير»، إيلاء موسكو «ثقة كبيرة لشخص يقيم فيها، يريد أن يسير المعارضة على هواه، ولكن على موسكو أن تحترم كل المعارضة، وتوفر تمثيلاً متكافئاً لكل أطياف المعارضة الديموقراطية المستقلة».
ثانياً، لا تشاطر الروس الرغبة بإخراج مسار الحل السوري من مسار جنيف، وتشتبه في محاولة موسكو الذهاب به نحو مسار جديد، وتعتبر أن جنيف لا يزال المرجعية، وان خفضت سقف المطالب، وقدمت قراءة مرنة لإعلان جنيف، إلا أن جنيف لا موسكو يشكل الإطار والمرجعية الدولية للحل. ويقول حسن عبد العظيم «يهمنا دور موسكو، ولا نريده أن يكون مجرد لقاء شكلي، لكن لا ينبغي أن يكون بديلاً عن جنيف 3، ونريد أن يصدر عن هذا اللقاء استعداد وتأكيد لدعم خطة (المبعوث الأممي ستيفان) دي ميستورا لتجميد القتال في حلب».
ولكي تذهب «الهيئة» إلى موسكو، استمع ديبلوماسيون روس إلى المجتمعين في جنيف، وهي خطوة تعكس قلقاً حقيقياً من اتخاذ قرار بالمقاطعة، وهي الأجواء التي غلبت في اليومين الأولين من النقاشات.
وبحسب مصادر سورية معارضة، كرر «التنسيقيون» دعواتهم، وطلبوا أن تتسع أيضاً لائحة من شخصيات قريبة منهم، من بينهم رجلا الأعمال خالد المحاميد وعبد القادر السنكري. كما طلبوا أن يصنف بعض من دعاهم الروس «بأطراف أخرى» لخطأ تصنيفهم بالمعارضين، وان تسبق اللقاء إجراءات بناء الثقة وإطلاق سراح المعتقلين، وهو ما أجاب عليه الروس أنها مسألة ستكون على جدول أعمال اللقاء التشاوري، تفضيلاً لتقديم ما يمكن أن يُعد «مكسباً» قابلاً للمقايضة خلال المشاورات، وليس تنازلاً مسبقاً من الحكومة السورية في «مساومة» لم تبدأ بعد.
ووعد الروس بتقديم ردود سريعة على بقية النقاط في الساعات المقبلة، لكنهم قالوا إن مسألة تغيير وجهة الدعوات من شخصية إلى حزبية، أمر سيؤخذ بعين الاعتبار في اللقاءات اللاحقة في روسيا. وأبلغ الروس المجتمعين استعدادهم توزيع دعوات جديدة، وأسماء جديدة، باستثناء بعضهم كميشال كيلو، وضمان الموافقة عليها قبل توجيهها، وبأن موسكو، ستتكرر ثانية وثالثة، لكن ينبغي أولاً إطلاق المسار.
وأظهرت ثلاثة أيام من النقاشات في جنيف أن «الهيئة» لا تملك يداً طليقة في تقرير موقفها من موسكو، وهي لن تطال الإجماع المطلوب. ففضلاً عن انعدام مصلحتها في مقاطعة دعوة حليفها الروسي الموضوعي في التمهيد للحل السياسي في سوريا، وتفويت فرصة إعادة السياسة إلى سوريا ووقف القتل والتدمير، لن تحظى دعوة المقاطعة، إذا ما اتخذت بتأييد جناح أساسي في الهيئة، هو «حزب الاتحاد الديموقراطي». ويرى الأكراد، الذين يمثلون ثقلاً أساسياً، أن مَن يقف وراء عملية إفشال موسكو هم الأتراك، وهي قراءة تختصر بمبدئيتها، كل المواقف التي انطلق منها صالح مسلم محمد.
وعكست النقاشات مع الأكراد انطباعاً بسعي إلى الضغط عليهم لكي لا يلبوا دعوة موسكو. وبخلاف الأجنحة الأخرى في «الهيئة» يعتقد الأكراد أن موسكو ستكون فرصتهم المشروعة، لطرح قضيتهم، وقضية الشعب السوري، وأنه لا ينبغي تفويتها لأي سبب. وقال مسؤول كردي بارز، لـ «السفير»، إن «الحوار هو من مصلحة البلد. ورغم ملاحظاتنا الكثيرة، على الدعوات واختلاط المعارض فيها بالموالي، لم يقنعنا أحد أنه لا ينبغي أن نذهب إلى موسكو».
ويتوقع الأكراد ألا تستجيب موسكو للمطالب المطروحة، وقد تتصلب على العكس من المنتظَر. ومن الصعب على «الهيئة» أن تتخذ قراراً بعدم الذهاب من دون «حزب الاتحاد الديموقراطي»، خصوصاً أن رئيسه صالح مسلم محمد، هو نائب المنسق العام لـ «الهيئة»، وسيكون نافراً سياسياً ومصداقياً، أن تقرر الهيئة البقاء في دمشق، في ما يذهب نائب رئيسها إلى موسكو.
وقال مسؤول كردي بارز لـ «السفير» إنه «لا ينبغي تفويت فرصة لقاء تشاوري، يمثل نقلة نوعية، لأنها ستكون المرة الأولى، التي نلتقي فيها كسوريين، من دون أجندة مسبقة، أو بيان ختامي معدّ سلفاً».