استفاق لبنان من نشوة النصر بتجريد أمراء المساجين التكفيريين في سجن رومية من نقاط قوّتهم، بعد الخطّة المحكمة التي نفّذتها فهود قوى الأمن الداخلي اللبناني بمساعدة شعبة المعلومات والجيش اللبناني، لتُطرح اليوم علامات استفهام كثيرة حول الخطوة اللاحقة بعد بطولة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أشرف شخصياً على العملية النظيفة، ليعلن على أثرها انتهاء أسطورة سجن رومية.

 

وإن كانت خطوة وزير الداخلية قد لاقت إعجاب رئيس ووزراء الحكومة والرأي العام اللبناني بشكل عام، غير أنها لم تمنع التساؤل حول توقيتها وتداعياتها المرتقبة والخطوات اللاحقة بعدها. ولعل أبرز الأسئلة المطروحة اليوم، ماذا بعد تمشيط المبنى ب من السجن؟ ماذا عن بقية الطوابق والمعلومات تؤكّد أنها ليست بالخطورة نفسها ربما، لكنها ليست بوضع سليم طبعاً؟ ثم أي دور لحوار المستقبل حزب الله في رفع الغطاء عن هؤلاء المساجين الخطرين؟ وهل يدفع المستقبل من جعبة اعتداله مجدّداً على حساب مزاج بعض المتطرفين؟ أم ان رفع الغطاء تمّ مقابل تنازل موعود من جانب حزب الله اقترب موعد تنفيذه على وقع الخطّة الامنية الموعودة في البقاع؟.

 

إنجاز .. ولكن!

أسئلة كثيرة حملتها النهار لعضو الجماعة الإسلامية النائب عماد الحوت، الذي أكّد أن مشكلة السجون قديمة بل مزمنة وكان ينبغي علاجها منذ زمن، ومن الجيّد أن القرار اتّخذ بشأنها، لكن لكي نعتبر ما حصل إنجازاً وليس مشكلة جديدة في واقع البلد، فإن هذا الأمر يحتاج أولاً إلى استكمال ما جرى بالأمس على باقي مباني سجن رومية وعلى باقي السّجون، لكي لا يُحمَل الموضوع باتجاه محدّد وليس باطار سياسي عام للتعامل مع واقع السجون. الأمر الثاني محاسبة ومعاقبة ضبّاط وآمري السجون الذين كانوا يسهّلون طيلة الفترة الماضية دخول وسائل الاتصالات والمخدرات وغيرها من ممنوعات، واعتبر أنه لا يمكن الذهاب باتجاه عملية أمنية محدودة لأن الغطاء السياسي رفع، وترك الواقع الأمني المتبقي في حالة إرباك، داعياً إلى استكمال الملف باتجاه محاسبة الذين كانوا يسهّلون هذه الامور، لأن بعضهم ربما كان شريكاً بتسهيل الإرباكات الأمنية التي كانت تحصل من خلال تسهيل حركة الإتصالات.

 

ورأى الحوت أن المسألة الثالثة هي معالجة واقع السجون من خلال فرض ميزانية من قبل الحكومة لتحسين واقع السجون وإعطائها طابعاً يليق ببشر. وأكّد الحوت أن ما حصل يأتي في سياق معالجة أوضاع السجون، إلا أنه يجب استكماله في أكثر من اتجاه لكي نقرّ بأنه إنجاز.

 

وعن الرابط بين عملية سجن رومية والحوار بين المستقبل وحزب الله، قال الحوت أنه لا شكّ بأن الحوار كان له تأثير إيجابي في هذا الإطار، وبالتالي فقد سهّل رفع الغطاء، لكن إذا كان هذا الأمر صحيحاً فهذا يعني ضرورة رفع الغطاء عن كامل سجن رومية وغيره وليس فقط عن المبنى باء، لكي لا يعطى انطباع بأن ثمة سجناء مستهدفين وآخرين يحتفزون بغطاء سياسي لكل إدارتهم لأعمال إجرامية من تهريب مخدرات ومفاوضات على عمليات خطف وتسهيل الكثير من الأمور.

 

وأكّد الحوت أن الطريقة الإحترافية التي تمّت فيها عملية سجن رومية بأقل خسائر بشرية ممكنة ينبغي أن لا يؤدي الى ردة فعل عالية من الخاطفين، متمنياً ان تنتهي الامور بمجرد تهديد من جبهة النصرة.

 

وعن تحرك أفراد جماعة أسامة منصور بالأحزمة الناسفة في طرابلس على خلفية عملية سجن رومية، رأى الحوت أن حجم هذه المجوعة بسيط لا يستحق القلق بشأنه، لكن من واجب القوى الأمنية أن تتشدد في حفظ الأمن، منوّهاً إلى أن المهم أن الرأي العام الطرابلسي واللبناني كان موقفه متوازن.

 

وشدّد الحوت على أهمية الاتفاق على عدم تعميم واقع الإرهاب على كل المساجين، خصوصاً أن بعضهم موقوفون لم يحاكموا حتى الآن رغم مضي سنوات على توقيفهم، وبالتالي فإن هذا الملف ينبغي التعامل معه بسرعة وعدالة وإنصاف، حتّى ينصف البريء ويعاقب المذنب بالحجم المطلوب، لافتاً إلى أن ملف الموقوفين الإسلاميين سيبقى أحد الجروح النازفة التي ينبغي معالجتها بشكل سريع.

 

وتمنّى الحوت ألا نبقى أسرى معادلة الأمن السياسي، بمعنى أنه إذا وُجد الغطاء السياسي ننفذ الأمن على البعض ونترك الأمن سائباً لدى البعض الآخر، داعياً للعدالة في تنفيذ الامن على كل المواطنين اللبنانيين في الوقت نفسه والكلفة نفسها.

 

وعن التحركات الإحتجاجية التي شهدها مخيم عين الحلوة وأهمية رفع الغطاء عن المخلين بالامن في المخيمات، أشار الحوت إلى أن موضوع المخيمات يحتاج لحل لكن ليس بطريقة أمنية عسكرية بل بالتوافق مع اهالي المخيمات، وهم مستعدون للمساهمة في تنظيم مخيماتهم بالتنسيق مع الدولة.

 

وعن حوار المستقبل حزب الله والنتائج المتوقعة على ضوئه، اعتبر الحوت أن أي حوار بين أي فريقيْن لبنانيين مقبول ومطلوب في ظل الإحتقان الموجود في البلد، لكن الحوار بين المستقبل وحزب الله يجب ألا يعطى أكثر من بعده المتمثّل بتنفيس الإحتقان، لأن الواقعية تثبت أن الفريقيْن غير قادرين على التأثير في ملفات بحجم وطني كملف رئاسة الجمهورية مثلاً أو ملف محاربة الإرهاب، منوّهاً إلى أن الحوار أمر مطلوب وجيد وهو ينجح باحتواء محاولات تأجيج الفتنة المذهبية وهو أمر بغاية الاهمية في هذه المرحلة.

 

محاكمة السجناء

من جهته، اعتبر النائب عن حزب البعث العربي الإشتراكي عاصم قانصوه أن ما حصل في سجن رومية بادرة جيّدة على اتجاه المستقبل وقوى 14 آذار لرفع اليد عن هذا الملف الأمني والسياسي، ما أثار ارتياحاً شديداً من جانب الرأي العام اللبناني على هذه الخطوة التي كان ينبغي أن تتم منذ زمن بعيد،

 

ولفت إلى أن السياسة هي التي أدت إلى مراوحة ملف سجن رومية تتجاذبه الأهواء منذ أعوام حتى الآن، أما وقد نُظّف المبنى ب من السجن، فهذه خطوة إيجابية، لكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى على مستوى المباشرة بمحاكمة سريعة لهؤلاء الموقوفين،

 

لكي لا تبقى هذه الدمّلة بدون جراحة استئصالية، ولكي لا نعطي الإرهاب مبرّراً لاستغلال هذه الدملة في جسم السياسة اللبنانية.

 

وعن الرابط بين عملية رومية وحوار المستقبل حزب الله، رأى قانصوه أن الإرهاب مازال موجوداً في إعلام تيار المستقبل الذي ما زال يصر على دعم المعارضة المسلّحة في سورية، والحديث عن ثوار ومعارضة غير موجودة، واعتبر ان مفهوم الإرهاب لم يعالج بصورة جدية من قبل جماعة المستقبل، لذلك أرى في الحوار مجرد جرعة أسبرو وإجراء مؤقّت يسكّن مكانه.

 

البقاع في قلب العاصفة

وعن الخطة الأمنية في البقاع، أكّد قانصوه أن البقاع يعجّ بالمخالفين والمخلّين بالأمن، وتمنّى أن يتمكّن وزير الداخلية من التشدّد وفرض قوة الاجهزة الامنية لبسط الأمن في البقاع. ولفت قانصوه أن كل قرى القلمون مشتعلة من القاع إلى رأس بعلبك وعرسال والبقاع الغربي، وبالتالي فإذا لم يتم التنسيق بين كل من الجيشيْن اللبناني والسوري وحزب الله، فإن الخطة الأمنية ستبقى عاجزة أمام خط إرهاب ممتد على طول 70 كيلومتراً في القلمون وليس في عرسال وحدها.

 

وأكّد قانصوه ان الأمن في البقاع ليس مسألة محلية فقط بل تحتاج لقرار وطني ولتنسيق مع الجانب السوري لأننا ما زلنا في قلب العاصفة ومصلحة لبنان تقتضي التنسيق، لافتاً إلى أننا في النهاية مع أية خطوة على طريق حفظ الامن وكل خطوة يمكن أن تخدم لبنان نحن معها، خصوصاً أن مرتكبي جرائم بتدعي ما زالوا يسرحون ويمرحون ومثلهم كثيرون على امتداد البقاع، حيث الفوضى والأمن غير المضبوط بشكل عام.

 

ورأى قانصوه أنه طالما أن هذه الدمّلة في عرسال وجرودها ما زالت موجودة، فستستمر بالنزف باتجاه البقاع ولبنان كلّه، ولفت إلى أن البقاع يحتاج ليكون القصير الثانية بمعنى أنه يحتاج لعملية عسكرية واسعة في عرسال وجرودها تنظّف هذه المنطقة من الإرهابيين مهما كلف الامر، معتبراً أن ملف العسكريين المخطوفين بدوره يجب ان يحسم عسكرياً بأي شكل من الأشكال، وإن كان لا يحسم بلا تنسيق مع الجيش السوري، في ظل جغرافية المنطقة الصعبة التي يتواجدون فيها وضرورة تضافر الجهود بين الجيشيْن للإفراج عن العسكريين وإراحة البلد من هذا الملف الإبتزازي الخطير.

 

(غنوى غازي - النهار الكويتية)