تفيد معلومات سياسية بأن اللقاء المرتقب بين العماد ميشال عون ود.سمير جعجع بات وشيكا جدا ومن الممكن أن ينعقد في غضون الأيام القليلة المقبلة في الرابية على الأرجح. وهذا اللقاء سيبدأ رباعيا (عون ـ جعجع ـ كنعان ـ رياشي) ولكنه سيتحول سريعا الى «خلوة ثنائية» يقال فيها «الكلام الجوهري». اللقاء ليس لقاء مصالحة، وإنما لقاء مصارحة ومكاشفة.

فالمصالحة سبق أن تمت على مرحلتين: عام 2005 في لقاء «اليرزة الشهير» عندما زار عون جعجع في سجنه السياسي، وعام 2013 عندما التقيا تحت سقف بكركي في إطار «لقاء الأقطاب الأربعة». 

وما تغير خلال عامين أن اللقاءات انتقلت الى خارج بكركي وأن انتخابات رئاسة الجمهورية فرزت الأقطاب الأربعة بين قطبين درجة أولى هما المرشحان الحصريان للرئاسة مع اختلاف في الطريقة العلنية والمضمرة، وقطبين درجة ثانية يجلسان في مقاعد الاحتياط الرئاسي هما الجميل وفرنجية المتفهمان على مضض حوار حليفيهما، المنزعجان من اختزال الوضع المسيحي بهما، غير المتفائلين بالنتائج وبإمكانية الوصول الى اتفاق وتحديدا على مستوى رئاسة الجمهورية.
حوار التيار ـ القوات ليس رد فعل على حوار حزب الله ـ المستقبل، ولكن الحوار السني ـ الشيعي ساهم في تسريع وإنضاج الحوار المسيحي، إذ من الصعب أن يظل القادة المسيحيون في هذه الحال متفرجين ومكتوفي الأيدي وغير مبادرين، وأن يتجاهلوا واقع أن جزءا من «أزمة الرئاسة» موجود في ملعبهم. والى ضغط الحوار الإسلامي، يضاف ضغط الموقف المسيحي العام الذي يشكو من حال وهن وضعف وقد ضاق ذرعا بالخلافات المستحكمة التي أسهمت في الوصول الى الفراغ الرئاسي.

الحواران، الإسلامي والمسيحي، حواران متوازيان متفاعلان، ينجحان معا ويصلان الى نتيجة في الأزمة الرئاسية السياسية أو لا ينجحان ولا يصلان. وفي الواقع، ثمة أوجه شبه كثيرة بين هذين الحوارين اللذين يعدان «بدلا عن ضائع» هو حوار وطني متعذر حاليا في ظل غياب راعي هذا الحوار ومديره رئيس الجمهورية:

٭ حوار حزب الله ـ المستقبل حدد له هدف وعنوان رئيسي هو تنفيس الاحتقان المذهبي (السني ـ الشيعي)، وحوار التيار ـ القوات يهدف أيضا الى تنفيس الاحتقان المسيحي، مع العلم أن الاحتقان المسيحي يرقى الى 25 سنة بينما الاحتقان السني ـ الشيعي في لبنان لا يتجاوز عمره الـ 10 سنوات.

٭ حوار حزب الله ـ المستقبل يحاذر اقتحام موضوع رئاسة الجمهورية ويمارس سياسة التفاف واستكشاف للنوايا، مع أن أزمة الرئاسة هي أم الأزمات، وانتخاب رئيس الجمهورية هو الخطوة الأولى والممر الإلزامي الى تطبيع الوضع ونزع فتيل الأزمة. وتجنب الملف الرئاسي لا يعود الى مراعاة الطرفين لحلفائهما المسيحيين في شأن مسيحي بامتياز، بقدر ما يعود الى خلاف مستمر في مقاربة هذا الملف. فالمستقبل انتقل الى ضفة الرئيس التوافقي، فيما لايزال حزب الله عند ضفة «رئاسة عون» أو ما يعادلها.

كذلك الحال في حوار عون ـ جعجع الذي وضع رئاسة الجمهورية جانبا حتى لا يكون سببا في انهيار مبكر وسريع، مع استمرار الخلاف حول هذه المسألة المركزية: العماد عون متمسك بترشيحه وفكرة «الرئيس القوي» ويريد من جعجع أن يؤيده مقابل الحصول على ما يريده، أي ان التفاوض لا يجري على الرئاسة وإنما على ما بعدها. وأما الدكتور جعجع المستعد للانسحاب عندما يقتنع عون بالانسحاب لمصلحة «الرئيس الثالث»، فإنه يأمل إقناع محاوره بأهمية وضرورة التفاهم على هذا الرئيس قبل أن يدهمهما تفاهم سني ـ شيعي، إذا حصل يضيق هامش المناورة عند المسيحيين ولا يعود لاتفاقهم المتأخر من جدوى وأهمية.

٭ حوار الحزب ـ المستقبل قفز فوق موضوع الرئاسة ونحى جانبا الملفات الخلافية الكبرى، وحصر البحث في ملفات تشكل مساحة ومصلحة مشتركة تندرج تحت عنوانين هما: تطبيق شامل للخطة الأمنية، وتفعيل عمل الحكومة والمجلس النيابي.

وحوار التيار ـ القوات يتفادى موضوع الرئاسة وينحي جانبا الملفات الخلافية السياسية، ليركز البحث على المسائل والملفات «المسيحية» الطابع والاهتمام (لها صلة بالمصالح والهواجس المسيحية) وهي كثيرة وتندرج تحت عنوان عريض هو تفعيل الحضور المسيحي في الدولة والحكم ورد الاعتبار للدور والتأثير المسيحي وتحقيق المشاركة الفعلية ومن بينها: قانون الانتخابات و«المناصفة»، اللامركزية الإدارية الموسعة، التجنيس وتملك الأجانب، النازحون السوريون، المخيمات الفلسطينية، المخاطر الأمنية، الانخراط المسيحي في الدولة لاسيما في السلك العسكري الأمني، صلاحيات رئيس الجمهورية.. إلخ.