اللقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع يشكّل مصلحة مشتركة للطرفين، وذلك بمعزل عن اختلاف نظرة كلّ منهما لهذا اللقاء، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسَه: أين تكمن مصلحة كلّ من جعجع وعون في هذا المسار الحواري المستجد؟

لا شكّ في أنّ لكلّ من رئيس «القوات» والتيار أسبابه ومنطلقاته وأهدافه من وراء الانفتاح المتبادل.

أوّلاً، على مستوى جعجع: الأسباب التي دفعت رئيس «القوات» للانفتاح على رئيس «التيار الوطني الحر» تكمن في الآتي:

أ- أظهر جعجع منذ لحظة انطلاق السباق الرئاسي بأنّه قوّة تسهيل تسعى لمنع الفراغ أو تقصير أمدِه بانتخاب رئيس جديد، وبالتالي لقاؤه مع عون يدخل في السياق نفسه بأنّه على كامل الاستعداد للقيام بأيّة خطوة تساهم في إنضاج المسار الرئاسي.

ب- يحمل جعجع إلى عون طرحه المزدوج الذي لم يتوقف عن تكراره: المبارزة في المجلس من دون وضع شروط تتنافى مع الدستور أو الاتفاق على مرشّح توافقي، وكلّ ما عدا ذلك يدخل في باب التمنّيات، فيما جعجع واضح من اللحظة الأولى بأنّه يجب احترام ما ينصّ عليه الدستور، وليس في وارد الذهاب إلى تفاهمات فوق دستورية أو فوق سياسية، أي تتجاوز الصراع السياسي بين مشروعين.

ج- لم يبدّل جعجع بتموضعِه أو برنامج ترشيحه، فهو ترشّحَ من موقعه في «القوات اللبنانية» و14 آذار، ويتعاطى مع الاستحقاق انطلاقاً من ذلك.

د- لم يظهر جعجع بممارسته أنّه يبدّي رغبات الشارع على قناعاته، بل يتّخذ المواقف التي تنسجم مع أفكاره وتخدم المصلحة الوطنية، ولكن إذا لم يكن من تعارض بين توجّهه وتوجّه الشارع، فلا بأس بالنسبة إليه من ترييح المسيحيين التوّاقين إلى وحدة صفّ في ظلّ حوارات إسلامية-إسلامية.

فاللقاء بين جعجع وعون يشكّل بهذا المعنى مطلباً مسيحياً، وبالتالي لا ضيرَ من إتمامه طالما يؤدّي إلى ترييح الأجواء، خصوصاً أنّ رئيس «القوات» ليس بواردِ عقدِ تفاهم مع رئيس التيار في ظلّ تموضعه الحالي.

ه- لم يقفل جعجع باب الحوار في أيّة لحظة، بل تمَّ الاعتداء عليه مرّتين منذ انطلاق السباق الرئاسي: المرّة الأولى باستحضار أسماء الشهداء في الجلسة الانتخابية الأولى، والمرّة الثانية من خلال محاولة الاتفاق مع الرئيس سعد الحريري من أجل عزلِه، فيما كان بإمكان عون محاورة الحريري ومسيحيّي 14 آذار، لأنه أعجز من اختراق صفوف 14 آذار، والدليل أنّ جواب الرئيس الحريري لعون كان بأنّه لا يمانع بانتخابه شرطَ موافقة المكوّن المسيحي في الحركة الاستقلالية.

و- في أوّل إطلالة له بعد خروجه من المعتقل قال جعجع بأنّ صفحة اعتقاله أُقفِلت ولا يحمل أيّ حقدٍ تجاه أحد، فكيف بالحريّ حيال حرب مسيحية-مسيحية انتهَت مع انتهاء الحرب اللبنانية، وبالتالي لا حقدَ ولا كراهية تجاه الحالة العونية التي ناشدَها في مناسبات قواتية للعودة إلى خطّها السيادي.

فالخلاف مع العماد عون هو خلاف من طبيعة سياسية لا سلطوية، ومقاربته لا تكون من باب رئاسة الجمهورية أو غيرها، بل من خلال إرساء تفاهمات سياسية وطنية لا مسيحية، وبما أنّ هذا الأمر مستبعَد فتنظيم الخلاف مطلب قوّاتيّ، خصوصاً أنّ كلّ مقاربات هذا الفريق سياسية لا شخصية.

ز- إقرار عون بوجود قوّة مسيحية فعلية بعدما كان يتنكّر لهذا الواقع ساهمَ في تقريب المسافات والتعجيل في اللقاء.

أمّا بالنسبة للعماد عون فأهمّية هذا اللقاء تكمن في الآتي:

1- حرفُ الأنظار عن تعطيله الاستحقاق الرئاسي بإطلاق مبادرات ليس أوّلها اللقاء مع جعجع ولن تكون الأخيرة، حيث بادرَ عشيّة الاستحقاق باتجاه الحريري ومن ثمّ انتخاب رئيس من الشعب، والانتقال من التموضع الوسطي إلى التكامل مع «حزب الله».

2- الهدف الأساسي للعماد عون شراء الوقت بانتظار تبلوُر اتجاهات التسوية أو الخلاف الأميركي-الإيراني. فرئيس التيار الوطني لا يريد تبديد فرصته في الوقتِ الضائع، خصوصاً أنّ انقشاع الرؤية الدولية-الإقليمية، بالنسبة إليه، لم يعُد بعيداً.

3- لا يمكنه التصدّي أو مواجهة الحراك الداخلي والخارجي المتصل برئاسة الجمهورية من دون القيام بأيّ حركة سياسية ولو شكلية.

4- التخفيف من حجم الضغوط عليه وحدّتها من خلال التواصل والتبريد مع بيت الوسط وبكركي ومعراب وبكفيا...

5- محاولة خَلق خطوط دفاع للإبقاء على فرصته الرئاسية، من الالتصاق بـ»حزب الله» إلى التقارب مع «القوات اللبنانية»، إذ باعتقاده أنّ الحزب سيضطر مرغماً على الابتعاد عنه رئاسياً في حال تمنَّت عليه طهران ذلك نتيجة تسوية خارجية، فينكفئ من المربّع الوطني إلى المسيحي في تكرار لسيناريو العام 1988.

وفي الخلاصة يشكّل اللقاء بالنسبة لجعجع مكسَباً، لأنّه لم يتراجع عن مواقفه السياسية، ولا عن الآليات الدستورية التي توصِل لانتخاب رئيس، وظهر مجدّداً بأنّه قوّة تسهيل وحريصٌ على ترييح الشارع المسيحي، ولا يحمِّل التواصلَ أكثر ممّا يحتمل، فضلاً عن أنّ التواصل طبيعي بين المختلفين.

وأمّا بالنسبة لعون فهو محاولة إضافية لحجز رئاسة الجمهورية أطول فترة ممكنة، خصوصاً أنّه ما زال حتى اللحظة غير مستعدّ للانتقال من مرحلة «أنا الرئيس» إلى مرحلة المساهمة في الوصول إلى رئيس جديد.