مع الكشف النوعي للعميل الجديد في صفوف "حزب الله" اتضح أن محمد شوربا كان أحد أهم المقربين من الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ومن الدائرة القريبة والمحيطة به، وهو كان على ثغرة أساسية وخطرة، ولن يكون من المجدي التعامي أو تجاهل تداعيات اختراق هذا العميل لصفوف قيادة الحزب، لأنها تشكل في الواقع زلزالاً حقيقياً لن تهدأ هزاته الارتدادية قبل وقت طويل، لأسباب كثيرة، منها أن اكتشاف حجم الخسائر يحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي، كما أن معالجة مواقع الاختراق تحتاج المزيد من الجهد والعمل الأمني الدقيق، في ظل انتشار "هلع" الخوف من الاختراق في أكثر المواقع حساسية ودقة.

الترويج للانتصار لا يلغي حقيقة الخسائر

روّجت وسائل إعلام "حزب الله" أن كشف العميل محمد شورية جاء بمثابة إنجاز لـ"المقاومة" في إطار الحرب الأمنية مع العدو الإسرائيلي، لكن هذا لا يلغي حقيقة سقوط ما كان السيد حسن نصرالله يتحدث عنه من حصانة الحزب من الاختراق، وعندما رفض نظرية "العناصر الغير منضبطة" وعـمّـم نظرية الحصانة والقداسة على عموم العاملين في الحزب.

روّج إعلام "حزب الله كشف العميل الجديد على أنه انتصار فقال التقرير الموزع من إعلام الحزب على وسائله الإعلامية:"مع توقيف شوربة سقطت ورقة مهمة من دفتر الجاسوسية الاسرائيلي داخل حزب الله، ما افقد الموساد عيونه وآذانه داخل الوحدة 910، خاصة في ظل الاجراءات التي اتخذها الحزب، الذي بدوره دخل في «هدنة» قسرية مع المصالح الاسرائيلية الى حين اعادة تنظيم جهاز عملياته الخارجي".

صحيح أن العدو الإسرائيلي فقد عميلاً مهماً وأساسياً، لكن الحزب فقد أيضاً الوحدة 910 وهو مضطر الآن إلى إعادة ترتيب كامل هيكليته الأمنية واستراتيجيته في العمليات الخارجية التي باتت مكشوفة للقاصي والداني.

المسألة الأخرى الهامة، هي أن محمد شوربا لم يكن عنصراً عادياً، بل كان من النخبة المنتقاة المدربة سنين طويلة، والمتدرجة في صفوف "حزب الله" وصولاً إلى الدائرة المباشرة للأمين العام، مما يجعل بوصلة الشك والبحث والتنقيب تدور على مجمل القيادات وحول مختلف الدوائر والأقسام، والدليل على ذلك حركة المناقلات الواسعة التي شهدتها مؤسسات "حزب الله" إثر اكتشاف عمالة محمد شوربا.

تفاصيل التسريب: اعتراف بالعمليات الخارجية

إضافة إلى ما تقدم، تدفعنا قضية محمد شوربا إلى التفكير في عدد من المسائل والطروحات والمعالجات التي شهدتها القضية منذ لحظة انكشافها الأولى عبر موقع "جنوبية" وليس انتهاء بالوضع الراهن.

·       بدأت التسريبات بكشف معطيات كان "حزب الله" ينفي حصولها، وخاصة قيامه بعمليات أمنية خارج لبنان، وعلى امتداد الكرة الأرضية، وذلك من خلال الاعتراف بوجود الوحدة 910 كوحدة مسؤولة عن العمليات الأمنية الخارجية، ومن ثم الحديث عن طبيعة هذه العمليات وانتشارها وامتدادها.

ومن خلال المتابعة لكل ما كـُتِبَ نستطيع التأكيد أنه جاء من مطبخ موحد كونه انتشر في صيغة شبه موحدة على صفحات الصحف وفي زوايا المواقع الموالية للحزب.

تضمنت التسريبات نسبة إلى مصادر مطلعة على الملف ان" شوربة كان يعيش في لبنان، حيث يملك عددا من الشقق والأراضي التي اشتراها خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه كان كثير السفر، حيث تم تجنيده في احدى سفراته الى دولة جنوب آسيوية، ما سمح للموساد بافشال خمس عمليات امنية كان يخطط الحزب لتنفيذها في الخارج ضد اهداف مرتبطة بإسرائيل للثأر لمقتل عماد مغنية.

توقيف شوربة، بحسب المصدر جاء "اثر تحقيقات داخلية تلت فشل عملية بورغاس، بكامل تفاصيلها بشكل سريع رغم الحرفية التي اتبعت في تنفيذها، والتي كانت رأس الخيط الذي اوصل الى كشف ارتباط المشتبه فيه بجهاز الموساد، بعدما عمد جهاز مكافحة التجسس في امن "حزب الله" الى عزل الخلايا بعضها عن بعض لتحديد التسريب المحتمل، فاكتشف الخرق، لا سيما ان التحقيقات جاءت بعد سلسلة اخفاقات غير مفهومة".

المعلومات المتوافرة عن العملية من الجانب الاسرائيلي، تؤكد ان تل ابيب التي كانت على علم بالعملية قبل حدوثها ، اضطرت الى السماح بحدوثها من أجل الإبقاء على مصدرها وحمايته ذلك ان إفشال العملية كان من شأنه تعريضه "ليس للمساءلة فحسب بل لإمكان تغيير مستوى مسؤولياته العملياتية، الأمر الذي قد يتسبّب بالحؤول دون استمرار تدفُّق بنك المعلومات الخارجية".

وبيّنت التحقيقات جوانب من هذه العملية في غاية الأهمية والحساسية، اذ ان الضابط الاسرائيلي المشغّل أستمهل شوربة للتشاور مع رؤسائه لأنه لا يستطيع تحمل مسؤولية قرار السماح لعملية بورغاس بأن تتم مع الإدراك بأنها ستتسبب بمقتل اسرائيليين، وجاء قرار القادة الرفيعي المستوى في تل ابيب بالقبول ، ما سمح بتسجيل نجاح جزئي في تنفيذ العملية، مقدمة "الطُعم اللازم" للعميل الذي خدم "الموساد" حتى لحظة توقيفه.

مصادر استخباراتية اسرائيلية كشفت في هذا الاطار، ان اصرار الموساد على عدم كشف "شوربة" والتضحية بمقتل خمسة اسرائيليين في عملية بورغاس, يعود إلى الحرص على مساعدته وحمايته بعدما كشف عن عمليات عدة في اميركا الجنوبية وأذربيجان, حيث كشف عدداً من عناصر الحرس الثوري الايراني مثل حسن فراجي وبهرم فايزي الذي حكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة "التخطيط والاشتراك في عملية إرهابية ضد السفارة الاسرائيلية في باكو، الهند ،تركيا، تايلند وقبرص"، والاهم كشفه لشبكة عملت على مراقبة رئيس الأركان غابي اشكينازي، ومساهمته في إحباط عملية محكمة كانت تستهدف وزير حرب الحرب الصهيوني حينها ايهود باراك خارج كيان العدو، كذلك في اعطاء معلومات عن 17 متعاونا مع الحزب يعملون داخل فلسطين المحتلة على أهداف متنوعة وآخرهم زاهر عمر يوسف الذي التقاه أثناء مراسم الحج في مكة.

يعد محمد شوربة من أحد أهم الجواسيس الذين كشف عنهم داخل بنية الحزب بعد محمد الحاج، المعروف بـ"ابو تراب" وهو من قادة "الوحدة الصاروخية" في الحزب، والذي قدم معلومات مفصلة عن الهيكلية التنظيمية للحزب ومسؤوليات أعضائه ومهماتهم، الأمر الذي سمح بـاستنتاج أسرار كبيرة تتعلق بتركيبة الحزب الداخلية وكيفية عمله في الخارج، كما قدم معلومات دقيقة عن قواعد الصواريخ ومخازنها، لجهاز المخابرات المركزية الاميركية.

أخيراً لا بد من التساؤل عن مصير العميل شوربة ولماذا لا يزال موقوفاً لدى "حزب الله" ولم يسلم للأجهزة الأمنية اللبنانية، ليقف أمام العدالة ويحاسب على خيانته؟

الجواب واضح:

نحن في مرحلة يعلن فيها "حزب الله" نفسه لاعباً إقليمياً ودولياً ويؤكد وزير الخارجية الإيراني أنه (الحزب) أقوى وأفعل من دولة ونصف الدولة، يقاتل في سوريا ويحارب في اليمن، ويفخخ الساحة في البحرين، ويجلس على طاولة حوار في لبنان..

الدولة اللبنانية تحتضر، وليس مؤكداً أن تكون جولة الحوار بين "حزب الله" وتيار المستقبل هي الوصفة الناجعة لإنقاذ هذه الدولة التي ترقد في غرفة الطوارئ، وهناك من يقطع التيار الكهربائي عن أجهزتها، في فعل هو أشبه بـ"الموت الرحيم".