«املأ الفراغ بالكلمة المناسبة»... هو واقع فُرِض على اللبنانيين، فلم يجد اصحاب الحل والربط افضل من كلمة الحوار لتعبئة هذا الفراغ..
خطّان متوازيان قد يلتقيان في مكان ما، وقد لا يلتقيان. حوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» استفاق متأخّرا على ضرورة تنفيس الاحتقانات المذهبية بعد نحو تسع سنوات من تفشّيه على وقع حدثين كبيرين هما اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومن ثم اندلاع الازمة في سوريا. وحوار بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» نتائجه معروفة سلفا. لكن في عزّ الموسم الرئاسي، يستحيل ان يغيب في ظل ذوبان جليد التباعد بين الطرفين: «المستقبل» و«حزب الله».
كل المؤشرات الآتية من صوب الرابية لا توحي بنقزة عونية بما يمكن ان ينتج من حوار الخصمين، وبأنه اتى على حساب فشل التقارب العوني المستقبلي. عمليا، قام «حزب الله» بالواجب، وأكثر، لطمأنة حليفه المسيحي الاستراتيجي، لا بل التاريخي، بأن الرئيس المقبل لن يكون صنيعة «إسلامية» تُفرض على الشريك المسيحي، كما حصل العام 2008.
سيسهل اليوم سماع العديد من قيادات «حزب الله» تكرّر قناعتها بما قاله ميشال عون مؤخرا «نريد الجمهورية لا الرئاسة». دعم الضاحية لم يتوقف عند حدود تكرار لازمة «الجنرال مرشحنا حتى قيام الساعة». الحليف الشيعي رفع مستوى التمسّك بخيارات عون وتوجّهاته حتى الحدّ الاقصى. «ما يعنيه بحديثه عن استعادة الجمهورية يعنينا أيضا!».
لكن الى اي مدى يمكن ان يؤثّر انطلاق الحوار بين الحليف و»مشروع الحليف» الذي جمّده فيتو سعود الفيصل، في العلاقة بين ميشال عون والرئيس سعد الحريري؟ ما مصير الغلّة من جولات الحوار السابقة بين «العونيين» و«المستقبليين»؟ ما العامل الذي يمكن ان يقود الى استئناف جلسات الحوار بين الرابية وبيت الوسط؟ اين تتقاطع وأين تتضارب مصالح الطرفين؟ ولماذا الاصرار المتبادل على التأكيد ان الحوار قد جمّد ولم تطو صفحته؟
المؤكد ان جولات الحوار المكتومة الصوت أثمرت، بعد توقّف لغة الحوار، كلاما متبادلا يطيّب الخواطر، لكنه يضع مرحلة التقارب والتفاعل في ثلاجة الانتظار.
اعترف الحريري بالفم الملآن. أخطأنا بعدم التحاور مسبقا مع عون. بَصَم له بأحقيته بأن يكون مرشحا لرئاسة الجمهورية «لأن باستطاعته تأمين الكثير للبنان». أكد علاقته الممتازة به، متمنّيا ان تبقى على ما هي عليه بصرف النظر عن الموضوع الرئاسي. بعد ذلك، كان على الحريري بنفسه ان ينعى عون رئاسيا، بعد إسقاط ورقة «الجنرال» و«الحكيم» التوافقية.
أما عون، من جهته، فقد حرص على التأكيد أن الحوار الثنائي قد جمّد ولم ينقطع، موحيا بأن الكلام في كافة الملفات مستمر.. باستثناء الملف الرئاسي، ومشيرا بالاصبع الى مسؤولية وزير الخارجية سعود الفيصل المباشرة في منع وصوله الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي تعطيل سلّة التفاهمات الممكنة بين الجانبين المرتبطة بهذا الملف.
ثم ما لبث ان وسّع عون بيكار قناعته بالموانع التي أدّت أيضا الى وقوف «المستقبل» ضد إجراء الانتخابات النيابية، معتبرا ان فتح الصناديق كان سيبرز تراجع حجم التمثيل الشعبي للرئيس الحريري.
وذهب «الجنرال» بعيدا في إظهار مدى انزعاجه من مفاوض لم يلتزم بوعد قطعه له في بداية المحادثات الثنائية بأنه يجلس الى الطاولة بغطاء مباشر من السعودية للذهاب بالحوار حتى النهاية، حين اصرّ على إجراء الانتخابات النيابية حتى مع مقاطعة «تيار المستقبل» لها، قائلا في إحدى مقابلاته التلفزيونية «لا يصحّ ان نركن الى ما يطلبه هذا التيار، فقط انطلاقا من فرضية انه يمثل معظم الطائفة السنية، إذ إن الارقام والأحجام تتحدّد بعد الانتخابات لا قبلها...».
عمليا، الاخذ والرد لم يتوقفا فعلا بين الطرفين، لا على المستوى الوزاري والنيابي، ولا على مستوى العلاقة الناشئة التي لفحتها الكيمياء السريعة بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري.
لكن بين تسمية السيد حسن نصر الله العماد ميشال عون بالاسم، للمرة الاولى كمرشح «حزب الله» للرئاسة في 3 تشرين الاول الماضي، ومن ثم نعي الحريري لحظوظ عون، كما سمير جعجع، في 27 تشرين الثاني الماضي، ودعوته الى البحث عن اسم توافقي ثالث، يمكن الجزم بما لا مصلحة للطرفين بقوله اليوم، وهو ان «حوار الرئاسة» لم يجمّد فقط، بل اصبح من الماضي.
داخل مجلس الوزراء، وفي الاتصالات غير المعلنة بين الطرفين، ثمّة تقاطعات في المصالح وتناقضات لا تفسد في ود التقارب الخجول قضية. كان سهلا الاستنتاج ان الاعلان المتبادل عن توقّف الحوار لم يؤد الى رفع المتاريس الوزارية مجددا بما يوحي بعودة القديم الى قدمه. الحفاظ على تنسيق وتفاهم الحد الادنى حاجة متبادلة، فالرابية التي شرّعت ابوابها لحوار مباشر مع سمير جعجع لن تجعله بأي لحظة بديلا عن الحوار مع «الاصيل».
داخل «التيار الوطني الحر» اليوم لا احد بوارد العودة الى خطاب الـ«وان واي تيكيت»، ولا الى تفنيد صفحات «الابراء المستحيل». حتى ان النائب ابراهيم كنعان الذي تحدث في إحدى حفلات توقيع الكتاب في شباط 2013 بحضور العماد عون شخصيا عن «مضبطة اتهام موثقة لتجاوز القوانين، وتتضمن دعوة للمحاسبة على المستويين المؤسساتي والشعبوي» بوجود «الحقائق الدامغة»، عاد وأكد ان الاصلاح المالي ثابتة وضرورة لم ينكرها «تيار المستقبل» خلال اجتماعات لجنة المال والموازنة!.