انطلق حوار المستقبل حزب الله من دون «أجواء احتفالية»، وحتى من دون صور وأضواء وفي ظل أجواء واقعية من دون إفراط في التوقعات لا سلبا ولا إيجابا... وهذه الانطلاقة لم تمر من دون «همهمات» وتحفظات: الرئيس نجيب ميقاتي يذكر كيف تمت محاربته لثلاث سنوات من تيار المستقبل لأنه كان رئيسا لحكومة تضم حزب الله.
المسيحيون متوجسون من حوار يجري بتكتم شديد ويمكن أن يصل الى تفاهمات بمعزل عنهم وعلى حسابهم. هذا الهاجس المسيحي يشكل عاملا ضاغطا ودافعا باتجاه تحرك مسيحي عاجل على سبيل التوازن الوطني والسياسي واسترداد جزء من المبادرة والقدرة على التأثير في مجرى الأمور لاسيما في استحقاقين يعنيان المسيحيين أكثر من غيرهم: رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات...

التحرك المسيحي من الطبيعي والمفترض أن يتم تحت سقف بكركي ورعايتها.

ولكن لا مؤشرات الى أن ذلك سيحصل.

فالبطريرك الراعي لديه خيبة من تجربة اللقاءات بين الأقطاب الموارنة ولم يعد واثقا في قدراتهم واستعداداتهم، وعلاقته معهم لم تعد في مستواها السابق وإنما تعتريها ملاحظات وانتقادات متبادلة...

ولكن مقابل انكفاء الحوار الرباعي في بكركي، يتقدم الحوار الثنائي خارجها بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع.

هذا الحوار صار أيضا بمثابة «حوار الضرورة» ليس لتنفيس الاحتقان المسيحي وإنما لتعبئة الموقف المسيحي وتجهيزه لملاقاة تسويات وتفاهمات آتية.

حوار المستقبل حزب الله انطلق في نهاية العام 2014، وحوار عون جعجع سينطلق مع بداية العام 2015 من دون أوهام ومن دون عقد.

فإذا كان التفاهم على رئاسة الجمهورية صعبا ومتعذرا، فإن التفاهم ممكن على مسائل وقضايا أخرى تهم المسيحيين أيضا.

المهم أن يبدأ حوار سياسي مباشر وأن تبرهن القيادات المسيحية على أنها قادرة على التحاور والتفاهم خصوصا أن ما يباعد بينها ليس أكبر وأعقد مما هو موجود بين حزب الله والمستقبل.

حتى الآن، احتمالات حصول اللقاء بين عون وجعجع مرتفعة. ولكن احتمالات ناجحة ليست كذلك، ذلك أن رئاسة الجمهورية هي الثغرة ومكمن الخلل في الوضع اللبناني الراهن وانتخاب الرئيس هو مفتاح الدخول إلى ترتيبات المرحلة المقبلة، وأي حوار لا تكون رئاسة الجمهورية في أساسه وصلبه ولا يكون ملء الفراغ الرئاسي هدفا رئيسيا له، هو حوار من دون معنى ومن دون نتيجة، مهما برع الطرفان في إعادة ترتيب الأولويات.

وفي ظل تمسك كل منهما بموقفه: عون لا يتنازل عن مشروعه بالوصول الى قصر بعبدا مادام قادرا بدعم من حزب الله على قطع الطريق أمام أي مرشح آخر أو «الرئيس التوافقي»... وجعجع لا يقبل بعون رئيسا مادام جزءا من تحالف ومحور إقليمي ويقف في المقلب الآخر... فإن أي اختراق في الملف الرئاسي لا يمكن أن يتحقق من خلال هذا الحوار الماروني الثنائي مادام لم يصل عون الى قناعة راسخة بأن لا حظ له بالوصول الى الرئاسة ولا إمكانية لانتخابه رئيسا... هذه القناعة وجدت عند جعجع ولذلك فإنه خرج من نطاق ترشيحه ويتعاطى إيجابا مع فكرة الرئيس التوافقي... ويصح القول أيضا إن أي اختراق رئاسي على طاولة حوار عين التينة غير ممكن مادام حزب الله لا يجاري المستقبل في فكرة الرئيس التوافقي ومازال عند موقفه بأن الشأن الرئاسي شأن مسيحي يبحث مع عون «مرشحه للرئاسة»، وأن طريق بعبدا تمر إلزاميا في الرابية. فإذا كانت رئاسة الجمهورية ليست مدرجة على جدول «الحوارين»: السني الشيعي والمسيحي المسيحي سيكون حوار «تعبئة الوقت الضائع» في وضع انتظاري...

بانتظار تسوية إقليمية لبنان يكون جزءا منها أو معنيا بنتائجها وتبعاتها... الرئيس بري يعرف ذلك ولذلك يقوم بإعداد المسرح اللبناني لهذه اللحظة الآتية مع «الربيع الإقليمي» هذه المرة.