يكاد ملفّ النفط تلزيماً وتنقيباً واستخراجاً يَضيع في حمأة الأزمة السياسية الدائرة حول الاستحقاقات، ما يهدّد بضياع الآمال التي يعلقها اللبنانيون على هذا الملف للخروج من الأزمة الاقتصادية الماليّة إلى آفاق الانفراج والبحبوحة والخلاص من الديون وأعبائها المرهِقة.

يكشف معنيّون بالملف النفطي أنّ معلومات خطيرة وردَت إلى مراجع مسؤولة نقلاً عن خبراء نفطيين عالميين تنبّه الى أنّ إسرائيل قد بدأت على الأرجح سرقة ثروة لبنان النفطية والغازية الكامنة في مياهه الإقليمية غيرَ عابئةٍ بشيء ومتجاهلةً مطالبَ لبنان وشكواه إلى الامم المتحدة والمجتمع الدولي من قرصنتِها نحو 870 كيلو متراً مربّعاً من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة التي تبلغ مساحتها الإجمالية 22 ألف كيلومتر مربّع، وذلك لدى ترسيمها الحدود البحرية مع قبرص، خصوصاً أنّها بدأت منذ زمنٍ استخراجَ النفط والغاز من البحر قبالة سواحل الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول هؤلاء إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيعمل بقوّة مطلع السنة الجديدة لتحريك الملف النفطي، بالتزامن مع اهتمامه الدؤوب بموضوع الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» الذي سينطلق حتماً خلال الشهر الجاري في أيّ وقت ابتداءً من الاسبوع المقبل، وكذلك اهتمامه باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي بات ينتظر انفراجات وتوافقات إقليمية ودولية ما، يؤمل حصولها.

وإذ يسأل برّي عن أسباب تأخّر المعنيين المباشرين بالملف النفطي في وزارة الطاقة وخارجَها في إنجاز الترتيبات اللازمة للبدء باستخراج النفط، يؤكّد متابعون لهذا الملف انّ التأخير سببُه عدم إصدار مجلس الوزراء المرسومين المطلوبين حتى الآن، الاوّل يتعلق بتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الى «بلوكات»، على أساسه تتقدّم الشركات بعروضها في مزايدات، والثاني يتعلق بعقد التنقيب (EPA (exploration and production agreement.

وكان يجب على الشركات المؤهلة والبالغ عددُها 42 أن تتقدّم بعروضها خلال مهلة بدأت في أيار وانتهَت في تشرين الاوّل، لكن في ظل عدم صدور هذين المرسومين حتى الآن لا يمكن الشركات أن تقدّم عروضها.

ويشير المصدر المتابع للملف الى أنّ التأخير في استخراج النفط، ينطوي لدى البعض على خلفيات ليست مريحة، خصوصاً أنّ التبريرات التي تُساق في هذا المجال غير مقنعة، بل إنّها تخفي في مطاويها رغبةً في تأخير استخراج النفط إلى حين تبلوُر ظروف تمكّن هذا البعض من القبض على هذا الملف وتجييره لمصالحهم ومصالح الجهات الداخلية والخارجية التي تواليهم، علماً أنّ هناك بعضَ هذه الجهات لا تستسيغ صيرورة لبنان دولةً في نادي الدوَل النفطية، ويرتاح مالياً اقتصادياً ولا يعود بحاجة الى مساعدات خارجية تكبّله في قراره المستقلّ وسياساته الخارجية، وكذلك تعوقه عن لعِب دور محوريّ على المستويَين الإقليمي والدولي.

ويذهب المصدر الى أبعد من ذلك ليؤكّد أنّ الملف النفطي هو من أبرز الأسباب الكامنة وراء الأزمة السياسية وما ينتح عنها من أوضاع متوتّرة تعيشها البلاد، فصحيحٌ أنّ الأزمات الإقليمية لها انعكاساتها وتداعياتها السلبية على الوضع الداخلي، لكنّ النفط والغاز في المنطقة ببَراريها وبحارها، وخصوصاً في بحرَي لبنان وسوريا يرتبط عميقاً في جذور تلك الأزمات ايضاً، خصوصاً في ضوء المعلومات التي كشفَها خبَراء قبل أشهر وتفيد أنّ المخزون النفطي في المياه الإقليمية السورية وحدَها يوازي المخزون النفطي الكويتي أو يفوقه حجماً، إلى جانب المخزون الغازي.

وفي هذا السياق يستغرب المصدر نفسُه تراجُعَ اهتمام الولايات المتحدة الاميركية منذ اسابيع بالملف النفطي اللبناني، حيث كان يزور لبنان من حين الى آخر موفد اميركي لهذه الغاية ويُجري محادثات مع المسؤولين اللبنانيين تتعلق بحلّ النزاع بين لبنان وإسرائيل حول المساحة التي قرصنتها اسرائيل من المياه الاقليمية اللبنانية، والواقعة ضمن حقول لبنان النفطية، الأمر الذي يثير مخاوف من احتمال ان يكون الاميركيون قد قرّروا التوقّفَ عن وساطتِهم، وعن مساعدة لبنان في استرجاع ما قرصَنته اسرائيل من منطقته الاقتصادية الخالصة. ففي البداية كان يتولّى هذه المهمة المسؤول في وزارة الخارجية الاميركية فريدريك هوف، ثمّ خلفَه فيها مساعده موس هوشتين.

يقول أحد السياسيين في معرض تعليقه على ما آلت إليه الاوضاع الداخلية «إنّ اللبنانيين كانوا ولا زالوا يتقنون لعبة تضييع الفرص ولم يتعلّموا من الماضي ولا من الحاضر، فقد ضيّعوا قبل أشهر ولا زالوا فرصة انتخاب رئيس جمهورية جديد بمعزل عن التدخّلات الخارجية، وها هم يستمرّون على رِسلهم في ذلك، وقد يضيّعون ثروتَهم النفطية، وهم ينتظرون اتفاقَ الخارج على تنصيبِ رئيس جمهوريتهم».