تتوالى الاخبار يوميا عن جرائم قتل  وعنف ضد النساء في لبنان والعالم العربي والاسلامي ، بحيث اصبحت قضية العنف ضد النساء قضية  غير عادية وهي توازي بقية القضايا  والهموم التي يواجهها المجتمع اللبناني والعربي والاسلامي.

ولن استعرض اليوم عدد الجرائم التي ارتكبت ضد النساء خلال السنوات الاخيرة لان ذلك يتطلب احصاءات ودراسات وتفاصيل، لكن متابعة الاخبار يوميا تؤكد لنا ان عدد هذه الجرائم يزداد وهي تنتشر وتتعمم عبر وسائل الاعلام ، ولكل جريمة اسبابها وظروفها ، ولكن في النتيجة تدفع النساء والاطفال الثمن الكبير من وراء هذه الجرائم.

فمن يتحمل مسؤولية ما يحصل؟ وهل بالامكان وقف هذه الجرائم او الحد منها؟

من خلال تجربة شخصية وعائلية (كون شقيقتي تعرضت قبل عدة سنوات لجريمة قتل من قبل مطلّقها)، يمكن القول ان هناك ثلاث جهات تتحمل المسؤولية عن هذه الجرائم ، واولى هذه الجهات المؤسسات الدينية والتي لا تقوم بواجبها الكامل لحماية المرأة قبل الزواج واثنائه وما بعد الزواج، ولان معظم التشريعات الدينية اما هي لصالح الرجال او ان المسؤولين عن المؤسسات الدينية يطبّقونها بشكل يخدم الرجال ويبرر لهم ارتكاب جرائمهم وانه لا يوجد تشريعات دينية واضحة للدفاع عن حقوق المرأة وهذا موضوع يحتاج لبحث مفصل.

اما الجهة الثانية التي تتحمل مسؤولية هذه الجرائم فهي المجتمع بكل  افراده ومؤسساته وهيئاته ومثقفيه واعلامه، لانه للاسف فان التعاطي مع قضية المرأة لا يزال قاصرا ومتأثرا بالمنطق الذكوري وخصوصا على صعيد النساء العازبات او المطلقات او اللواتي يتعرضن للعنف، وقد يكون صحيحا ان هناك مؤسسات وهيئات تبذل جهودا كبيرة لتصحيح الصورة ولمواجهة العنف ولكن لا زلنا نشعر ان هناك تقصيرا كبيرا على صعيد حماية المرأة المعنّفة والدفاع عنها وتأمين كل اشكال الحماية لها على صعيد العائلة والمجتمع والرأي العام.

اما الجهة الثالثة والتي تتحمل المسؤولية الاكبر فهي الدولة ومؤسساتها القضائية والقانونية والتشريعية واجهزتها الامنية، لان الدولة هي المسؤولة اولا واخيرا عن حماية المرأة من العنف او معاقبة من يرتكب جرائم عنف وقتل ضد النساء، وفي لبنان صدر منذ فترة قانون لحماية الاسرة من العنف وجرت محاولات عديدة لتوعية عناصر قوى الامن على كيفية التعاطي مع قضايا العنف ضد النساء، لكن للاسف ما نسمعه على صعيد تطبيق هذا القانون لا يشير الى نتائج عملية مثمرة.

كما ان عدم تطبيق عقوبة الاعدام على قاتلي النساء يساهم بطريقة او اخرى بتشجيع الرجال على الاستمرار بعمليات القتل.

اذن نحن امام جريمة كبرى ترتكب بحق نصف المجتمع في لبنان والعالم العربي والاسلامي وهذا يتطلب المزيد من الجهود الفكرية والاجتماعية والتشريعية والفقهية للوقوف بوجه هذه الجرائم، ولقد سبق للمرجع الديني الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله ان اصدر فتوى تجيز للمرأة الدفاع عن نفسها مما ادى لردود فعل عديدة سلبية وايجابية، واليوم نشعر ان المطلوب ليس اعطاء فتوى كي تدافع النساء عن انفسهن بل ان نقف جميعا معهن ضد ما يرتكب بحقهن من جرائم.

قاسم قصير