لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن والثمانين بعد المئة على التوالي. شكلت إطلالة رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، ليل أمس، مناسبة لقراءة الرسائل التي اختار توجيهها في هذا التوقيت السياسي، فكان واضحا منذ الدقائق الأولى لاطلالته التلفزيونية، في حاجته الى التخاطب المباشر مع جمهوره، وخصوصا في الشمال وعرسال، على خلفية الأحداث الأمنية الأخيرة وتداعياتها، غير أن الأهم من ذلك، هو إعلانه عن قراره بخوض حوار مفتوح مع «حزب الله»، على أن تكون وظيفته الأولى تخفيف الاحتقان السني ــــ الشيعي، فضلا عن البحث في السبل الهادفة الى ملء الفراغ الرئاسي، وليس البحث في أسماء المرشحين. واذا كانت اجابة الحريري بشأن اختياره توقيت المقابلة مع الزميل مرسيل غانم ضمن «كلام الناس»، ضبابية، فان التوقيت بدا مرتبطا بمحاولة تهيئة قواعد «14 آذار»، وتحديدا جمهور «المستقبل»، مع بدء العد العكسي لجلوس كل من المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل والمعاون السياسي لرئيس «المستقبل» نادر الحريري وجها لوجه قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، فور انجاز «أجندة» الحوار التي يساعد في وضعها معاونو الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. وكان لافتا للانتباه أن الحريري وضع في المدى المنظور سقفا لحوار لا يتخطى دور المعاونين السياسيين، جازما بأنه ما زال مبكرا جدا الحديث عن فرصة لقاء بينه وبين السيد حسن نصرالله «في هذه الفترة». ووفق مقربين من الحريري، فان انتقال الحوار الى المستوى القيادي الأول هو رهن قدرة «حزب الله» على التحرر من ميشال عون رئاسيا، وفتح أبواب التوافق لاختيار رئيس جديد للجمهورية، وهذه النقطة تحديدا، لا يبدو أنها موجودة في حسابات «حزب الله» الذي كان قد أعلن أن أية قوة اقليمية أو دولية لن تدعه يتراجع عن قرار دعم ترشيح «الجنرال» الا اذا قرر الأخير نفسه الخروج من الدائرة الرئاسية. وهذه المعادلة أبلغها الايرانيون للفرنسيين مؤخرا، لا بل هم قالوا لهم بالفم الملآن أن الف باء انتخابات رئاسة الجمهورية هي التوافق المسيحي ـ المسيحي، وتحديدا بين ميشال عون وسمير جعجع، وهذه المعادلة جعلت قطبا مسيحيا بارزا يردد فور انتهاء مقابلة الحريري أن عون «لن يخرج من معركة الترشيح إلا رئيسا أو شهيدا»! وسجل للحريري أنه قدم قراءة نقدية لمرحلة تاريخية لم يتحاور خلالها مع مكون اساسي في البلد هو ميشال عون بعد عودة الأخير للبنان في ربيع العام 2005، معتبرا أنه لو حصل الحوار الذي بدأ منذ سنة لكان وفر فرصا أفضل للبلد. غير أن الحديث عن «علاقة شخصية وطيدة» بينه وبين «الجنرال»، لم يحل دون حسم رئيس «المستقبل» موقفه باعلانه أن عون وجعجع ليسا مرشحين توافقيين بمعايير «8 و14 آذار»، نافيا أن يكون قد تبلغ أي «فيتو» سعودي، داعيا الى البحث عن مرشح توافقي ثالث، رافضا الخوض في الأسماء، ومكتفيا بالقول انه لا يضع «فيتو» على أي مرشح اذا اكتسب صفة التوافقية، مرددا أن لا «فيتو» بما في ذلك على قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة. ومع اطلاق الحريري أول اشارة اعتراضية صريحة على تبني ترشيح عون، بدا أن المواقف التي أطلقها «الجنرال» عبر «السفير»، قبل نحو اسبوعين، وأعلن فيها انتقاله من «مرحلة التفاهم» الى «التكامل الوجودي» قد ارتدت على عون سلبا بمعايير «14 آذار»، اذ أن رئيس «المستقبل» قال ان مشكلة رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» أنه وضع نفسه في موقع المرتبط عضويا مع حزب الله «فكيف أسير معه وهو هيك»، واتهمه ايضا بتعطيل البلد عندما يقول إنه لن يتراجع عن ترشيحه الرئاسي. ولوحظ أنه منذ بداية المقابلة حتى نهايتها، لم يتوقف سعد الحريري عن اطلاق النار على انخراط «حزب الله» في الأزمة السورية، واصفا اياه أكثر من مرة بأنه «ضرب من الجنون» كما هاجم مواقف الحزب من المحكمة الدولية ومن السلاح ومقررات الحوار وغيرها، لكنه اعتبر أن تجربة الحوار مع الحزب وميشال عون كانت ناجحة بمعايير تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وما أنجزته حتى الآن، في اشارة واضحة الى تمسكه بالحكومة وعدم استعداده للتفريط بها في ظل استمرار الفراغ الرئاسي. ونفى الحريري أن يكون غادر لبنان بعد زيارته الأخيرة في آب الماضي لأسباب أمنية وقال انه سيعود الى بيروت قريبا «وقريبا جدا جدا». وفي انتظار القراءات السياسية المرتقبة لمواقف الحريري، سارع النائب وليد جنبلاط للتغريد ليلا عبر «تويتر» بالقول ان الحريري «اثبت الليلة انه رجل دولة»، وأنه «يشعر بالقلق على استقرار لبنان». وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره، ليل امس، ان من المفترض ان يبدأ الحوار بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» قبل نهاية السنة، مشيرا الى انه ينتظر ان يتلقى مسودة جدول الاعمال من الطرفين. ولاحظ بري تغيرا خلال اليومين الماضيين في موقف «تيار المستقبل» حيث اصبح اكثر ايجابية، وجزم بأنّ سلاح المقاومة والملف السوري ليسا ضمن جدول الاعمال، متسائلا «ما المانع في ان يبدأ الحوار حول المواضيع التي يمكن ان يُتفق عليها، أي انه لا معنى لوضع شروط مسبقة في ما خص الحوار»، وقال «انا مستعد ان يتحاور الطرفان عندي في عين التينة او في مجلس النواب او في أي مكان آخر يختارانه». وردا على سؤال حول مستوى الحوار، قال بري «يجب ان يكون المتحاوران اقرب الى السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري لكي يكون في امكانهما التواصل معهما عندما تدعو الحاجة». تصعيد في قضية العسكريين المخطوفين في غضون ذلك، يواصل الجيش اللبناني مطاردة المجموعات الارهابية وهو ينتظر أعمال التقصي عن شادي المولوي في مخيم عين الحلوة من قبل اللجنة الامنية في المخيم بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية، من دون أن يتلقى حتى الآن شيئا ملموسا في هذا الاطار، في وقت يجري الحديث عن امكان وجود المطلوب الثاني اسامة منصور في المخيم ايضا، وهو امر قال مصدر امني لـ»السفير» انه لا يستطيع أن يؤكده أو ينفيه.. في الوقت نفسه، اتخذت قضية العسكريين المخطوفين منحى تصاعديا في ظل توجه الاهالي الى تصعيد تحركهم اعتبارا من اليوم وقرارهم قطع الطرق في مداخل بيروت الا اذا استجدت معطيات جدية وملموسة بوقف تحركهم، على ان اللافت للانتباه عودة الارهابيين الى استخدام منطق التهديد والابتزاز، وتجلى ذلك في مطالبة «جبهة النصرة» الحكومة اللبنانية باطلاق الموقوفة جمانة حميد، واعطاء مهلة 24 ساعة قبل البدء بتنفيذ حكم الاعدام بحق احد العسكريين المخطوفين. وقالت «النصرة»، في بيان، بعنوان «الانذار الاخير»، عبر حسابها على «تويتر»: «اذا أرادت الحكومة أن تثبت جديتها في متابعة المفاوضات فعليها إطلاق جمانة حميد كبادرة حسن نيّة ومن ثمّ البدء بتنفيذ الاقتراح الذي اختارته الحكومة في عملية المبادلة».