لا يتوقعَنَّ أحدٌ أن يتّخذَ المجلس الدستوري قراراً بقبول الطعن بقانون تمديد ولاية مجلس النواب، فلقد سبقَ السيف العَذل، وما كُتِب قد كُتِب، وما على الجميع إلّا انتخاب رئيس جمهورية جديد، وإقرار قانون انتخابيّ جديد لانتخاب مجلس نيابيّ جديد...   لقد مضت سبعة أيام بالتمام والكمال على بداية ولاية مجلس النواب الممددة سنتين وسبعة أشهر ابتداءً من 20 الشهر الجاري، ولو كان المجلس الدستوري سيقبل الطعن بالتمديد الذي قدّمه تكتّل "التغيير والإصلاح"، لكانَ قبِله قبل انتهاء مدّة التمديد الأوّل 20 من الجاري، ليتمكّن المجلس من الاجتماع لتمديد ولايته تقنياً لفترة قصيرة ليتسنّى التحضير لإجراء الانتخابات.   وما لم يفعله المجلس الدستوري قبل 20 من الجاري لن يفعلَه الآن، لأنّه إذا قرّر قبول الطعن فإنّ المجلس النيابي سيصبح غير موجود حكماً، ويحصل الفراغ في السلطة التشريعية، ما يوجِب على الحكومة في هذه الحال الإسراع في إجراء الانتخابات النيابية لانتخاب مجلس جديد يملأ الفراغ النيابي، ولكن كيف يمكن إجراء انتخابات في الوقت الذي يقول فيه وزيرا الداخلية والعدل إنّ الظروف لا تسمح بإجرائها؟   وثمّة من يسأل: هل يستطيع المجلس الدستوري بتركيبته الحالية قبولَ الطعن؟ في المرّة السابقة عام 2013 سقط الطعن بالتمديد الاوّل نتيجة غياب أو معارضة ثلاثة من أعضائه (شيعيان ودرزي). والآن سيسقط هذا الطعن حتماً في حال التصويت عليه، لأنّ خمسة أعضاء (شيعيان وسنّيان ودرزي) سيعارضونه.   ولذلك يقول معنيون إنّ المجلس الدستوري سيتّخذ قراراً بعدم قبول الطعن، والدعوة الى إجراء الانتخابات النيابية في أقرب وقت ممكن، وسيستأنس المجلس في هذا القرار بالاتفاق الذي تمّ تمديد الولاية النيابية على أساسه، وهو تمديد بلغَ سنتين وسبعة أشهر لأنّ المعنيين أرادوا من هذه المدّة الطويلة تدارُكَ الأسوأ، وهو تعَثّر انتخاب رئيس الجمهورية وإقرار قانون انتخاب وإجراء الانتخابات في وقت قريب، ولكنّ هذا الاتفاق يقضي أوّلاً بانتخاب رئيس جمهورية جديد في موازاة إقرار قانون انتخابي جديد، ثمّ إجراء الانتخابات النيابية على أساسه بعد تقصير الولاية النيابية الممدّدة التي تنتهي في 20 حزيران 2017.     ويرى هؤلاء المعنيون أنّ تكتّل "التغيير والإصلاح" برئاسة النائب ميشال عون سيتعامل مع قرار المجلس الدستوري بعدم قبول الطعن بأنّه يجعل وضعَ مجلس النواب الممدّدة ولايته قانونياً، ولكنّه غير شرعي، وسيعمل التكتل في اتّجاه تسريع انتخاب رئيس جمهورية الذي اتُّفِق على أن يكون أولوية الأولويات بعد التمديد، ويليه قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات فور إقراره.     لكنّ كلامَ رئيس مجلس النواب نبيه بري عن استشعاره وجود مماطلة في اللجنة النيابية المكلّفة درسَ اقتراح قانون الانتخاب المختلط الذي يقضي بانتخاب نصف أعضاء المجلس النيابي على اساس النظام النسبي، والنصف الآخر على اساس النظام الأكثري، بعَث على الاعتقاد أنّ في الأمر إنّةٌ تُشير الى احتمال اشتعال جَمر الخلافات على قانون الانتخاب، ما قد يعطّل الاتفاق عليه والعودة الى الدوّامة نفسها، وتبقى الحياة السياسية في ما هي عليه من عِلل وكوارث وأزمات، وفي هذه الحال قد تنقضي الولاية النيابية ولا يقرّ قانون الانتخاب الموعود والذي يُراد منه تحقيق صحّة التمثيل الشعبي والساسيي وفقَ ما تنصّ عليه وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ"إتفاق الطائف".     ولم يستبعد بعض السياسيين أن تنسحب المماطلة في إقرار قانون الانتخاب استمراراً بالمماطلة في عدم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اللهُمَّ إلّا إذا هبط الرئيس العتيد في ليلٍ ما على القوى السياسية المتنازعة مثلما هبطَت حكومة الرئيس تمّام سلام في إحدى ليالي شباط الماضي بعد انتظار طويل.     ويعتقد هؤلاء السياسيون أنّ صاحب المبادرة الأولى في شأن إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة هو رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ولكنّ الرجل ما يزال حتى الآن متمسّكاً بترشيحه، إلى درجة أنّ بعضَ القريبين منه عندما يُسألون، هل إنّه في وارد الانسحاب لمرشّح آخر يسمّيه؟   يردّون قائلين: "عون لن ينسحبَ إلّا لعَون"، ويضيفون أنّه لا يرى غضاضةً في استمرار الشغور الرئاسي، مراهِناً على أن تصبّ التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة من فيينا إلى باب المندب وما بينهما في مصلحة دعم ترشيحه، حتى إذا جاءت عكس ذلك يمكنه عندها أن يلجأ إلى الخيار الآخر، وهو تسمية مرشّح يؤيّده.     لكنّ المتفائلين من السياسيين لا يستبعدون إمكان انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل نهاية السنة متوَسّمين من الحوار المرتقَب بين "حزب الله" وتيار "المستقبل" ما يساعد القوى السياسية في التوافق على الرئيس التوافقي العتيد.