ولدت الحكومة بسحر ساحر في لحظة اقليمية لم يحسب لها حساب، وسط التأزم الاقليمي الذي كان قائماً على كل الصعد. لكن الامور بدأت تميل الى التفاؤل في ظل انحسار الخلاف بين الدول الخليجية، والتقدم في المفاوضات حول الملف النووي الايراني، لأن التأجيل ليس نهاية المشوار، بل اعطاء المزيد من الفرص أمام إنجاح عملية التفاوض.   في المقابل، ينطلق حوار لا يبشر بانجازات كبيرة بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" بما يمثلان من ثنائي سني وشيعي يبعد لبنان عن الهاوية اذا ما اتفق مكوناه، او يدخلاه في أتون الصراع المدمر المذهبي السياسي السائد في المنطقة. وما الاستعداد للحوار إلا تجسيد للخوف المتأتي من طول أمد الازمة السورية، وانعكاساتها السيئة على الوضع اللبناني في غير منطقة حدودية، من الشمال الى البقاع، فالجنوب. ويلقى الحوار المتوقع دعماً عربياً غربياً في الوقت عينه، اذ ان الرعاية الدولية لإبقاء وضع لبنان على ما هو عليه، اي في حدود الاستقرار الامني، تدفع في هذا الاتجاه أملا في ان يقود المسار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وعربياً، تجدّ المملكة العربية السعودية في تحييد الوضع اللبناني لعدم فتح جبهات جديدة في المنطقة، ولعدم خسارة موقع جديد، لأنها تدرك جيداً حجم موازين القوى المسلحة في الداخل اللبناني. وهي، مع دول مجلس التعاون الخليجي، لا ترغب في ادخال المجموعات الاصولية التكفيرية الى ساحة إضافية في ظل الجهود التي تبذلها مع المجتمع الدولي لمحاصرة "داعش" و"النصرة". أما الداخل، ففي ازمة عامة. واذا كان "حزب الله" يعتبر الاقوى، فانه يبذل قصارى جهده للابقاء على هذه الصورة، في ظل حروب استنزاف يخوضها وتخاض ضده في سوريا، وسط بيئة صارت حاضنة لخصومه واعدائه في الداخل اللبناني، وهو الحد الاقصى من العداء الذي يواجهه، ومن هنا يندفع في اتجاه الحوار. ويعاني "تيار المستقبل" من غياب رئيسه، ومن تسلل مجموعات تكفيرية الى اوساطه، ومن تراجع القدرة المادية لديه، وهو يحتاج الى الحوار رغبة منه في تثبيت الاستقرار الذي لا يمكنه الاستمرار من دونه. أما المسيحيون، فحدّث ولا حرج، اذ ان ازمتهم باتت وجودية في ظل غياب الرؤيوية التي تمتعوا بها، وهي غائبة لدى قواهم السياسية وسلطاتهم الدينية على السواء. من هنا تتعمق ازمتهم، وتخرج الامور من سيطرتهم. وقد وجهت أخيراً اشارات الى العماد ميشال عون بواسطة الرئيس نبيه بري مفادها انه لاعب أساسي في اختيار الرئيس المقبل، أي أن فرصه الرئاسية تضاءلت، ويحتاج الأمر الى إخراج لائق. من هنا يبدأ البازار الذي سيدفع في اتجاه توافق إسلامي يقود الى البحث في تقاسم حصص العهد الجديد، وضمان مصالح كل الأطراف، المتحاورين والمتخاصمين على السواء، لأننا في بلد "الديموقراطية التوافقية".