قبل أن يسأل الناس "حزب الله" لماذا تأخر أكثر من خمسة أشهر ليعلن ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ويغرق البلاد في أزمة شغور رئاسي وتمديد لمجلس النواب، فإنهم يسألون بعد اعلان ترشيحه: لماذا لا يذهب نوابه الى المجلس وفقاً للاصول الدستورية لانتخاب رئيس من المرشحين المعلنين وغير المعلنين، لأنه اذا ظل مصراً على انتخاب العماد عون من دون سواه فمعنى ذلك ان المجلس سيكون مخيراً بين انتخاب عون أو استمرار الشغور الرئاسي كما خُيّر بين التمديد أو الفراغ...   إن نيات "حزب الله" اذا كانت صادقة ويريد الخير للبنان قبل غيره، فما عليه سوى الذهاب الى مجلس النواب للاقتراع في الدورة الأولى للمرشحين المتنافسين عون والدكتور سمير جعجع كونهما يمثلان بيئتهما تمثيلاً صحيحاً، فإما ان يفوز أحدهما بالأكثرية المطلوبة، وإما لا يفوز أحد منهما حتى بعد إجراء دورة ثانية. فهل يفكر الحزب عندئذ في الاتفاق على مرشح ثالث يستطيع الفوز بهذه الأكثرية، أم إنه سيظل مصراً على ترشيح عون، وترد 14 آذار على ذلك بترشيح جعجع؟ ولا بدّ هنا من التذكير بالمسؤولية الوطنية التي كان يتحلّى بها النواب في الماضي. فالرئيس رشيد كرامي عندما لاحظ أن المرشح الياس سركيس قد لا يفوز على المرشح سليمان فرنجية في الدورة الثانية من الاقتراع، توجه في الجلسة نفسها نحو عدد من النواب مقترحاً اسم الشيخ موريس الجميل كمرشح تزكية، لكن التزام كل فريق بموقفه حال دون الأخذ بهذا الاقتراع. لذلك فالسؤال المطروح هو: ماذا بعد اعلان "حزب الله" ترشيح العماد عون، هل سيظل متمسكاً بترشيحه فيستمر الشغور الرئاسي، أم إنه مستعد للبحث في مرشح توافق اذا تعذّر على أي من عون وجعجع الحصول على أصوات الأكثرية المطلوبة؟ لا موقف واضحاً حتى الآن، لكن بعض المراقبين يخشون اذا ما ظل الحزب متمسكاً بترشيح عون ليحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، ان يكون في نيته الذهاب الى انتخابات نيابية قبل الرئاسية سواء حصل اتفاق على قانون جديد للانتخابات أم لم يحصل، وليكن قانون الستين عندئذ هو الذي يُعمل به لأن لا أمل بفوز عون بالرئاسة في مجلس النواب الحالي، والأصوات الوازنة فيه هي أصوات كتلة النائب وليد جنبلاط التي تستطيع ان تأتي برئيس للجمهورية من خارج قوى 8 و14 آذار وهو ما لا يريده الثنائي عون – نصرالله، إنما يريد انتخابات نيابية جديدة يعتقد انه يفوز فيها بالأكثرية المطلوبة التي توصل عون الى قصر بعبدا، خصوصاً بعد الاطلاع على استطلاع للرأي جعل العماد عون يقول بثقة: "إن شعبية التيار الوطني الحر ارتفعت بشكل محلحوظ. ففي أقضية بعبدا وكسروان وجبيل وجزين النتائج محسومة لمصلحتنا، وفي المتن تخرق لائحتنا بمقعد واحد، وفي البترون سجل التيار تقدماً، وفي الاشرفية الوضع ممتاز، وفي زحلة تحسن كبير". هذه النتائج جعلت الطرف الآخر، برأي عون، يرفض اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، وهو يرى وجوب اجرائها حتى لو قاطعها "تيار المستقبل" لأنه "لا يصح الركون الى ما يطلبه هذا التيار انطلاقاً من فرضية انه يمثل معظم الطائفة السنية لأن الأرقام والأحجام تتحدد بعد الانتخابات لا قبلها". فاذا كان هذا هو موقف العماد عون المطالب باجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية لعل نتائجها تأتي لمصلحته، وليس باجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية لأن نتائجها ليست في مصلحته عدا انه لا يعترف بشرعية مجلس ممدد له، فهل يكون هذا هو موقف "حزب الله" أيضاً؟ إن الاتصالات واللقاءات التي يجريها الرئيس نبيه بري سوف تظهر ما اذا كان موقف "حزب الله" هو كموقف "التيار الوطني الحر"، أي وجوب اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية والا استمر الشغور في سدّة الرئاسة واستمر مجلس النواب في ولايته الممددة حتى نهايتها سنة 2017. لكن قوى 14 آذار او غالبيتها، قد تقاطع الانتخابات النيابية إذا ما جرت قبل الانتخابات الرئاسية، وعندها يتحمل الثنائي عون – نصرالله مسؤولية الشغور الرئاسي والفراغ النيابي واحتمال حصول فراغ حكومي أيضاً إذا ما انسحب وزراء منها لسبب من الأسباب. فهل يستطيع الثنائي عون - نصرالله تحمل مسؤولية الذهاب بلبنان الى الفوضى والمجهول؟ وهل يمكن ان يحكم لبنان بمجلس ممدد له ويحل محل رئاسة الجمهورية والحكومة معاً وهو غير شرعي ولا يمثل ارادة الشعب؟ ومن جهة أخرى، فإن "الميثاقية" التي تقوم على ثلاث ركائز هي: الركيزة المارونية والركيزة الشيعية والركيزة السنية، كيف تستمر وهي تقف على ركيزة واحدة؟ في اعتقاد أوساط سياسية ان "حزب الله" قد لا يجاري العماد عون في موقفه المصلحي هذا، وسيقول له: "بحبك يا سواري بس قد زندي لأ"، وسيكون له موقف آخر كالذي أخذه من دونه في التمديد لمجلس النواب وفي التجديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي حتى لو ردَّ عون على تركه وحده بالانسحاب من الحكومة، اذ لا يعود لديه بعد ذلك ما يخسره كي لا يخاطر به.