حدّد الرئيس نبيه بري 17 الجاري موعداً للجنة قانون الانتخاب، وجدول أعمالها هو بند واحد فقط هو القانون المختلط الذي يقضي بانتخاب نصف أعضاء المجلس على أساس النظام الأكثري والنصف الآخر على أساس النسبي، كما حدّد مهلة شهر للتوافق عليه، وإلّا سيطرح كل مشاريع القوانين على التصويت في الهيئة العامة، وشدّد على ضرورة إقرار قانون انتخابي ثابت لأنه المدخل إلى الإصلاح السياسي.

نقل رئيس المجلس سريعاً النقاش السياسي من التمديد إلى قانون الانتخاب الذي يُعتبر من أبرز النقاط الخلافية، لأنّ كلّ فريق يريد تفصيل القانون الذي يناسبه ويمكِّنه من تحقيق أمرين: الحصول على أوسع كتلة نيابية ممكنة، ومنع الفريق الآخر من الحصول على الأكثرية النيابية.

وإذا كان تَموضع النائب وليد جنبلاط الوسطي ساهم في ترييح اللعبة السياسية وتبريدها بحرمانه أيّ فريق من فريقي النزاع 8 و 14 آذار من الأكثرية النيابية، فإنّ اشتراط برّي الميثاقية أدى إلى مزيد من الترييح بمنعه استخدام هذه الأكثرية أو اللجوء إليها في حال تعارضها مع مكوّن من المكوّنات الطائفية.

وفي ضوء تموضع جنبلاط الذي لا يبدو أنه في وارد تغييره، وميثاقية بري التي يبدو أنها ستنسحب على كل المواضيع والملفات بعدما تحوّلت إلى تسمية ملطّفة بدلاً عن الفيتو، لم يعد أيّ قانون انتخاب يشكّل هاجساً فعلياً لدى أيّ فريق، لأنّ النتائج أيّاً تكن لن تُحدث انقلاباً في ميزان القوى الداخلي، خصوصاً إذا كان على قاعدة المختلط بين الأكثري والنسبي.

ومن هذا المنطلق أصبح التوصّل إلى قانون انتخاب جديد منطقياً، وبالتالي الورشة التي سيفتحها بري يجب الذهاب فيها إلى النهاية، والفريق الذي سيُفرّط بهذه الفرصة يجب تحميله مسؤولية التمديد للواقع السياسي القائم، حيث أنّ القانون أهم من دورية الانتخابات، لأنّ ما نفع انتخابات معروفة نتائجها سلفاً على غرار الأنظمة الديكتاتورية، فيما فتح ثغرة في التمثيل السياسي تؤدي إلى تجديد الحياة السياسية وإحداث توازنات جديدة.

فكتلة من عشرة نواب، وربما أقلّ من ذلك، متفلّتين من الاصطفافات السياسية ولكن بلَون سياسي واضح، قادرة على إحداث تغيير في اللعبة السياسية. وبالتالي، إدخال النسبية أصبح شرطاً أساسياً أو اعتماد الدوائر الصغرى مع الأكثري، فلبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد الأكثري في الدوائر المتوسطة والكبرى، وهذه جريمة بحق الديموقراطية.

فمعركة قانون الانتخاب هي معركة وطنية بامتياز، ومن مسؤولية الطبقة السياسية إثبات أنها قادرة على صناعة قانون يجسّد بُعدين: التمثيل الصحيح للجماعات اللبنانية، وتطوير الحياة السياسية وتحديثها.

وأبرز ركائز هذا القانون يفترض أن تشمل الآتي:

أولاً، تشديد الرئيس بري على تصويت الأحزاب والتيارات المسيحية على التمديد لكي يكون ميثاقياً أثار ردود فِعل معترضة على التمييز بين النواب المسيحيين، أي بين نائب ميثاقي وآخر غير ميثاقي، ولكن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها أنّ حوالى نصف النواب المسيحيين مُنتخبون من أكثرية مسيحية، مقابل النصف الآخر المنتخب من أكثرية إسلامية. وبالتالي، من أجل إسقاط هذا التمييز يجب توحيد المعايير وتقريبها بجعل تأثير الصوت المسيحي على انتخاب النواب المسيحيين أساسياً.

ثانياً، القانون الأرثوذكسي مرفوض، ولكنّ استمرار الوضع الراهن مرفوض أيضاً في الوقت نفسه.

ثالثاً، تقسيم الدوائر يجب أن يكون متوازناً، بمعنى لا يجوز أن تضمّ دائرة ثلاثة نواب وأخرى عشرة.

رابعاً، يجب على القانون العتيد، وهذه النقطة الأهمّ، أن يُشعر المواطن في أيّ دائرة لبنانية بأنّ صوته مؤثر واقتراعه يمكن ان يبدّل في النتائج، وذلك من أجل تبديد هذا الشعور أو بالأحرى هذه الحقيقة التي تجعل من الاقتراع نوعاً من استفتاء لا انتخاب.

وعلى رغم «انعدام» الثقة بالقدرة على اجتراح قانون جديد، والاتجاه الغالب هو إلى تحميل المسيحيين مسؤولية الإخفاق في التوصّل إلى هذا القانون، إلّا أنّ تجميل التمديد الذي فرضته ظروف قاهرة تتعلق بالفراغ الرئاسي والخشية من الفراغ في أمّ المؤسسات، يكون بإنجاز قانون انتخاب يُهيّىء لمناخ من الثقة يفتح الباب أمام انتخابات رئاسية تمهد بدورها لانتخابات نيابية...