ففي مثل هذه الايام من كل سنة هجرية تتجدد الاحزان على الامام الحسين (ع)الذي استشهد في العام 61 للهجرة بادوات الحكم الاموي وبأوامر مباشرة من الخليفة يزيد بن معاوية في كربلاء على ارض العراق. وفي هذه المناسبة من كل عام يجتهد الشيعة او غالبيتهم بتنشيط الذاكرة لاستحضار واقعة كربلاء بالتركيز على الجوانب العاطفية التي تثير لواعج الاشجان باعتماد الاصوات الشجية الحزينة واختيار الكلمات والمواويل والقصائد التي تهيء لاجواء من الحزن والجزع على مصيبة شهداء الطف مع اضافات من وحي المناسبة لاضفاء مؤثرات جديدة على المجلس الحسيني ليكتمل المشهد العاطفي الحزين بابتكار تفاصيل جانبية وهامشية للحدث الجلل , يجري التركيز عليها , تصل الى حد الاسطورة او الخرافة الخارقة للطبيعة ولحدود العقل والمنطق لاستدرار المزيد من الدموع واللطم على مصيبة الحسين(ع) وهو المنزه عن كل ما ينسب اليه من اجتهادات قاريء عزاء جاهل وامي , رصيده حنجرة مطواعة لصوت شجي وموال حفظه من قصيدة عن ظهر غيب , حتى انه يجهل معناها , هذا اذا لم نقل ان هذا القاريء المسيء لكربلاء تحول الى تاجر ماهر يستغل المناسبة ليحصد اكبر قدر ممكن من الاموال التي تساهم الناس في دفعها محبة وتقربا باهل البيت احيانا قليلة او مباهاة واستعلاءا في احيان كثيرة .
واما رواد المجالس فهم اما من البسطاء الذين يتفاعلون مع القاريء فتنتعش عواطفهم الحزينة وتنفجر دموعا وآهات ,واما من الجاهلين لاسباب واهداف الثورة الحسينية . وبين البسطاء والجهلة يضيع المعنى الحقيقي والجانب الانساني والمضمون الجوهري لاعتراض الامام الحسين (ع) على مبايعة يزيد بالقول (( انا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم , ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق , ومثلي لا يبايع مثله )), وطمس للهدف الحقيقي لثورة الحسين والذي اعلنه في الوصية التي تركها لاخيه محمد بن الحنفية (( اني لم اخرج آشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما , واما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ,اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي محمد وابي علي بن ابي طالب عليهم السلام .
وبالتالي تعتيم على فلسفة ثورة الامام الحسين (ع) والتي نستقيها من خلال خطته التي رسمها في كلمات خالدة عندما قال عن يزيد((لقد ركز بين اثنتين بين السلة او الذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجحور طابت وبطون طهرت وانوف حمية ونفوس ابية, الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه , فلا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما )) .
فمن الظلم اختصار الامام الحسين (ع) بلطمية او موال حزين وتصغيره من طود شامخ الى قزم وتحويل السيرة الحسينية الى مناسبة سنوية للمتاجرة بها واستغلال مظلومية شهداء كربلاء لجمع الاموال وتحويل المجالس الى خطابات للاستغلال السياسي .
وليس من الانصاف في شيء ان الحسين الثورة والحسين المدرسة والحسين الذي تعلم منه الزعيم الهندي غاندي ان يكون مظلوما فينتصر والحسين الذي قتله يزيد مرة ان نقتله مع مطلع كل عام هجري الاف المرات .