صحيح ان البيان الاخير للرئيس سعد الحريري والذي رأى فيه ضرورة السعي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لم يرتقي الى مستوى المبادرة , لكن يمكن التأسيس عليه اذا توافرت النوايا الحسنة لدى فريق الثامن من آذار للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي .

    ففي حين ان الرئيس نبيه بري وصف البيان عندما سئل عنه اذ قال /كله على بعضه حلو / فان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ــ ويكاد يكون الطرف السياسي الوحيد ــ الذي اعطى للبيان الطويل للرئيس الحريري صفة المبادرة التي ينبغي البناء عليها .

   وليست المرة الاولى التي يطلق فيها الرئيس الحريري ما يمكن وصفه بالمبادرة وتحمل عنوان مد اليد الى الطرف الآخر لبدء مرحلة البحث الجدي لايجاد حلول لازمات وملفات خلافية متراكمة وفي مقدمتها الفراغ الرئاسي.

   ومن جهته النائب وليد جنبلاط الذي يسعى في الاونة الاخيرة وبكل جدية الى فتح كوة في الجدران السياسية مراهنا على تقارب ممكن حصوله بين قطبي اللعبة السياسية الداخلية / تيار المستقبل و حزب الله /اشاد ببيان الرئيس الحريري ورفعه الى رتبة المبادرة الي يمكن البناء عليها لفتح باب الحوار بين فريقي الصراع في البلد 8 و 14 آذار بغية اخراج البلد من عنق الزجاجة .

   اما حزب الله وهو المعني الاساسي ببيان الحريري فان موقفه من هذا البيان لم يكن مفاجئا حيث حاول تجاهله سواء حمل رتبة بيان او رتبة مبادرة منطلقا من رؤية فحواها , ان البيان كتب بلغة مختلفة

نسبيا عن السابق كونها تنطوي على شيء من المرونة وان فيه لمسات مغايرة للسابق , لكن رئيس التيار الازرق لم يطلقه ليكون فاتحة حوار ونقاش وصولا الى حلول بل انه شاءه في لحظة احتدام المواجهات في الشمال اللبناني بين الجيش والمجموعات التكفيرية والمتطرفة لكي يعزز مقولة انه يجسد الاعتدال السني الذي وفر للجيش الغطاء الطائفي اللازم ليقدم على الفعل الذي شرع فيه لحظة البدء بتنفيذ عملية عاصون في الضنية وصولا الى باب التبانة في طرابلس وهي عملية انتهت بتوجيه ضربة موجعة الى الارهاب والى رموزه وخلاياه .

وبهذا المعنى فان الرئيس الحريري يحاول رفع تهمة عنه ويبريء ذمته من اتهام ادمن خصمه على محاصرة تيار المستقبل به مرارا وتكرارا من منطلق انه يوفر الغطاء لبيئة تحتضن الارهاب والتطرف .

    وفي هذا السياق فان ثمة من يرى ان الرئيس الحريري باتت تتملكه رغية في التخلص من المجموعات الارهابية ومن نموها المضطرد في فناء ساحته ولكنه يريد في الوقت نفسه ان يحتوي جمهورها , وهذا يعزز الرأي القائل يوجود صفقة سياسية اتاحت للمسلحين ولرموز المواجهة /المولوي ومنصور وحبلص / للخروج من باب التبانة سالمين , وهو كلام يزعج كثيرا قيادة الجيش .

   ومن كل ما تقدم فلا يبدو ان هناك مناخات ملائمة لتلقف بيان الرئيس سعد الحريري والتأسيس عليهلاطلاق عجلة الحوار بل ان الواضح ان هذا البيان سيلقى مصير ما سبقه بانتظار مبادرات اخرى وظروف افضل .