يربط كثيرون اليوم بين أحداث طرابلس المستجدّة وقرب موعد انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية. هم كانوا يربطون أصلاً بين معارك عرسال ومعركة الرئاسة. وقتها دفعت نتائج معركة البلدة الحدودية بحظوظ قائد الجيش العماد جان قهوجي درجاتٍ إلى الوراء بعد ما حُكِي عن تسوياتٍ سياسية فرضت وقف العملية العسكرية. بغضّ النظر عمّا ستكون عليه نتائج معركة طرابلس والمشهد الذي ستخلفه، فإنّ تسريباتٍ دبلوماسيّة تشير إلى أنّ قهوجي حصل على وعدٍ أميركي خلال زيارته الولايات المتحدة الأميركية مطلع الشهر الحالي للمشاركة باجتماع قادة جيوش التحالف الدولي لمحاربة الارهاب، بتبني ترشيحه شرط التوافق على اسمه داخليًا، كما تكشف مصادر واسعة الاطلاع. فالتردّد الأميركي الذي ساد المرحلة الماضية، والذي اتخذ في بعض الأحيان طابع اللامبالاة لانشغال الأميركيين بملفاتٍ أكثر سخونة في المنطقة، بدأ يتراجع مع تفاقم الأوضاع الأمنية، إلا أنّ ذلك، ودائمًا بحسب المصادر، لا يعني نضوج تسوية لملف الرئاسة اللبنانية. وتضيف: "قد نكون خطونا خطواتٍ قليلة إلى الأمام لكنّ المسار لا يزال طويلا". وتربط المصادر بين ما رشح عن زيارة قهوجي إلى أميركا والتصعيد "غير المبرّر وغير المسبوق" لوزير الخارجية جبران باسيل بوجه قائد الجيش، الذي حمّله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة مسؤولية ما حصل في عرسال، معتبرًا أنّ وضعه "غير شرعي وغير قانوني"، ومتهماً اياه بالخلط بين السياسة والعسكر. وقال: "قهوجي أتى بخيار منا ولا نقبل به رئيساً توافقياً". ولم تجد المصادر أيّ مبررات لـ"الهجوم العوني" على قهوجي إلا أن يكون صدى ما بُحث في أميركا رئاسيًا وصل الى الرابية وجنرالها والمحيطين به، وتضيف: "أصلا الهجوم على قائد الجيش من قبل باسيل أثار موجة استغراب واسعة لدى المقربين من حزب الله، الذين استفسروا عن أسبابه الموجبة بوقت لاحق فلم يكن هناك أي جوابٍ شافٍ". يُدرك قهوجي جيّدًا أنّ تمسّك رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بترشيحه ورفضه تكرار تجربة الرئيس الاسبق ميشال سليمان، عقبة كبرى تعيق تقدم الأمور وتبقيها في المربع الأول، لكنّه يعوّل على دور لـ"حزب الله" لاقناع عون بانعدام حظوظه ووجوب البحث عن بديل. وبالرغم من أنّ رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" لا يزال يضع ثقة عمياء بـ"حزب الله" وأمينه العام السيد حسن نصرالله، إلا أنّ إمكانية تدهور الأوضاع الأمنية والسعي لفتح أكثر من جبهة لاشغال الجيش وبالتالي شعور الحزب بأنّه معني تحت الضغوطات بتسهيل مهمة انتخاب رئيس، تبقى مطروحة في حسابات الجنرال ما يؤدي لتوتير أجواء الرابية، وهو ما عبّر عنه باسيل. وبمقابل ارتفاع أسهم قهوجي الرئاسية، تشير المصادر الى تراجع في أسهم زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية، "فقد فشل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبالرغم من جهود كبيرة بذلها بمهمة تسويق ترشيح بيك بنشعي خصوصًا لدى قوى 14 آذار". وتقول المصادر: "حتى أن اسم الوزير السابق جان عبيد عاد الى ساحة التداول، كما غيره من الأسماء التي قد تحقق نوعا من الاجماع حين تدق ساعة الصفر". بكلّ الأحوال، لا تزال الانتخابات الرئاسية في آخر سلّم الأولويات السياسية هذه الأيام، وسط انهماك السياسيين بالبحث عن "إخراجٍ مناسبٍ" للتمديد، وفي ظلّ الهاجس الأمني الذي لا يزال يحتفظ بالصدارة، أقله بانتظار الضوء الأخضر الخارجي على جري العادة اللبنانية..