كان مُقدر لتونس الاخوانية السقوط في حفرة السلطة وكمائن المتضررين من الاسلام السياسي الذي استفاق على حلم عربي لا يتكرر وسنح للتيار الديني استلام السلطة من مصر الى تونس نتيجة ممارسة سياسية خاطئة أطاحت بهم في مصر وحولتهم الى جماعة ملاحقة وقيادتها قيّد المحاكمة.
نجح الشيخ راشد الغنوشي مرشد الجماعة في تونس بتأخير سقوط التجربة الاخوانية بعد أن استفاد من تجربة السقوط المصرية من خلال الذهاب بعيداً في مشاركة السلطة مع التيّارات التونسية المتعددة واستطاع ارضاء الغرب من خلال رسائله الانفتاحية على مصالح أمريكا وأوروبا في تونس المتحررة من الدكتاتورية والماضية قدُماً باتجاه الديمقراطية المُرضية للغرب كما أنه هدّأ من روعة العلمانيين التونسيين بترك الناس على دينهم دون تدخل في طبيعة الأمزجة التونسية الخاضعة لمعايير ثقافية تاريخية محافظة ومتأثرة بمدنية منفتحة على الغرب ببعده الحضاري ولم ينه الغنوشي عن المنكر تركه كما هو قائم في تونس مجالاً للسياحة ودورة يومية في الحياة الاقتصادية لتونس وقال من يريد الذهاب الى المسجد فالمسجد موجود ومفتوح ومن أراد دخول البار فالبار موجود ومفتوح ليلاً ونهاراً أمام زوّاره وزبائنه.
هكذا لمّ الغنوشي دوره الايجابي وخلق مناخاً ايجابياً ارتاحت له أغلبية تونسية شعرت باطمئنان لمستقبل البلاد اذا ما بقي الاسلاميّون الاخوانيّون متفهمون لنزعة تونس العلمانية واستمروا في الاعتراف بأدوار الآخرين في السلطة والمعارضة.
تأتي الانتخابات التونسية استفتاءً جديداً على دور الاخوان في قيادة البلاد وهم يخوضون بكل امكانيّاتهم معركة مع أنفسهم لاثبات شرعيتهم الوطنية المشكوك فيها بعد استغفال "التوانسة "في لحظة تاريخية شعر فيها التونسيّون بالجنة الموعودة من قبل حزب النهضة باعتباره البديل الآتي من كتاب الله وتجربة النبي وصحبه مستندين في ذلك الى المنطق الديني المُدغدغ لمشاعر الأكثرية التونسية ولقدرتهم في السلطة وتحويل وجودهم السلطوي الى رصيد اجتماعي تتضح أهميته في الاستحقاقات الانتخابية اضافة الى قوتهم التنظيمية وقدراتهم الاجتماعية والمالية الهائلة وتوظيفها المباشر في صناديق الاقتراع كما أن ضعف الآخرين من شخصيّات وطنية وأحزاب علمانية منح النهضة نهضة كاملة في الحكم للدولة والمجتمع معاً.
يبدو الرهان الصعب على التونسيين أنفسهم في استبعاد تيّار مخيف في السلطة ومدهور لها نتيجة لعقلية الاسلاميين السيئة في فهم وممارسة الحكم أمر غير متوفر حتى الآن لأن المجتمعات العربية محكومة حتى اللحظة بالخيارات الاسلامية نتيجة لشبكة المصالح التي تمثلها وترعاها الأحزاب الاسلامية في ظل انعدام أيّ وزن آخر يضاهي الاسلاميين في قوتهم القاتلة وقد بدأت حملاتهم تحت كثافة من الشعارات الدينية التي يغطيها شيوخ النهضة باتقان متناه توهم التونسيين أن الله هو المرشح للانتخابات لا عبد حقير من عباده تماماً كم حصل في لبنان عندما قال أحد المرشحين مخاطباً للناس والسماء : اذا سقطت هذه اللائحة فلن يعبد الله..
من يؤمن بالمفاجآت عليه انتظار نتائج الانتخابات في بلاد لا تجري فيها انتخابات صحيحة بل شكل من أشكال أنتاج النظام نفسه.