بين الفراغ والتمديد للمجلس النيابي، ستكون معظم القوى السياسية أمام خيار السير في التمديد. لكن التطورات الأمنية والعسكرية الحدودية تشكّل سبباً إضافياً في تفادي إجراء الانتخابات النيابية

 

أضفى تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري عدم اجراء انتخابات نيابية في غياب مكوّن أساسي في لبنان، طابعاً جديداً على مسار التمديد الذي كان بري يردد أنه ضده، مؤيداً اجراء انتخابات نيابية.

 

يعيد كلام بري، الذي ردّ فيه على قول الرئيس سعد الحريري "فليجروا انتخابات من دوننا"، المشهد السياسي الى ما كان عليه قبل أكثر من عام، حين أُقرّ التمديد الاول للمجلس النيابي. تماماً كما هي حال الوضع الامني الذي عاد، بعد أشهر من الهدوء، لينفجر بين حزب الله والجماعات الاصولية على الحدود مع سوريا، وبينه وبين خصومه المزمنين وشركائه في الحكومة، على خلفية تورطه في حرب سوريا.

 

في مرحلة التمديد الاول، كان الحزب يدفع في اتجاهه لرغبته في تفادي الالتهاء بانتخابات نيابية في وقت لم تكن قد اتضحت بعد نتائج مشاركته في حرب سوريا. وهو ابلغ آنذاك، بوضوح، العماد ميشال عون قراره السير في التمديد.

 

في الآونة الاخيرة، ظل بري يضغط في اتجاه اجراء الانتخابات، فيما لم يظهر حزب الله اي ممانعة، علماً ان تسعة من اعضاء كتلتي الطرفين فازوا بمقاعدهم بالتزكية. ولم تكن اشارة الحريري الاخيرة الى غياب مكوّن اساسي عن الانتخابات، ستمنع اجراءها، في حال كان الحزب مرتاحاً الى وضعه الامني والعسكري. علماً ان انتخابات عام 1992 التي حملت نتائجها الرئيس الراحل رفيق الحريري رئيساً للحكومة، حصلت في ظل مقاطعة المسيحيين، ولم يشكل غيابهم آنذاك حجة لتعذر اجرائها. في حين ان تيار المستقبل، اليوم، ليس الممثّل الوحيد للسنة في لبنان، كي يكون غيابه سبباً لتأجيل الانتخابات، لا في طرابلس ولا في صيدا ولا عكار ولا في البقاع الغربي، ولوائح أمل وحزب الله تضم ممثلين للسنة في الجنوب والبقاع.

 

وفق ذلك، لم يكن مستبعداً ان تبقى فكرة اجراء الانتخابات قائمة حتى اللحظات الاخيرة، بحسب فريق 8 آذار، بمن حضر (على اساس ان المسيحيين من الفريقين لن يقاطعوها)، لأن ذلك قد يحقّق نتائج انتخابية تصب في صالح قوى 8 آذار، ليصار بعدها الى اجراء انتخابات رئاسية بمرشح هذه القوى.

 

فما الذي تغيّر حتى بات التمديد، الذي عدّد النائب نقولا فتوش أسبابه الموجبة في اقتراحه، مقبولاً بالحد الذي يسمح باقراره في مجلس النواب؟

 

مع انفجار الوضع في بريتال والقلمون مجدداً، وبعدما عاد التصويب السياسي والأمني على حزب الله يتصاعد في شكل حاد، لن يكون في مقدور الاخير الدخول في مغامرة الانتخابات، خصوصاً مع توسع رقعة التهديدات الحدودية من الشمال الى الجنوب. وفق ذلك، بات التمديد ضرورة حتمية، سعى بري عند اول فرصة الى التقاطها بعد كلام الحريري من باريس، ليتبنى الفكرة بحجة غياب المكوّن السني، خصوصا ان الحريري سبق وأن اكد موافقته على التمديد، بحسب ما تقول اوساط 14 آذار، لمدة سنتين وسبعة اشهر، رغم تمسك القوات اللبنانية بمدة ستة اشهر فحسب، وكذلك النائب وليد جنبلاط الذي كثف حركته الاخيرة لحشد التأييد للمشروع الذي لم يعد يحتاج الا الى وضع اللمسات النهائية عليه.

 

وفي ظل وضوح مواقف معظم الاطراف من التمديد، فإن السؤال: ماذا سيكون عليه موقف التيار الوطني الحر بصفته ممثلاً في الحكومة، ومدافعاً عن ضرورة حصد أي مرسوم او قانون تواقيع جميع الوزراء. فهل سيصوّت ضده في مجلس النواب كما ستفعل القوات اللبنانية؟ وماذا سيفعل في مجلس الوزراء؟ هل سيمتنع ويسجل سابقة في اصدار قوانين ومراسيم من دون تواقيع كافة الوزراء بدلاً من رئيس الجمهورية؟ وأي ثمن سياسي يمكن ان يقبضه العماد ميشال عون في حال لم يعرقل صفقة التمديد في الحكومة؟

 

بحسب مصادر مطلعة في التكتل، فان القرار الذي اتخذ حتى الآن يتعلق فقط بالتصويت ضد التمديد في مجلس النواب. أما بالنسبة الى مجلس الوزراء، فلم يُتخذ بعد قرار نهائي وسط انقسام الآراء حول الخطوة الواجب اتخاذها، تحت سقف سياسي واضح رفض الفراغ. فالمفاضلة بين الانتخابات والتمديد، تميل لصالح الانتخابات، اما بين اللاانتخابات والتمديد، فالتكتل مع أي اجراء يضمن عدم حصول فراغ في المؤسسات. لذلك تدور النقاشات حول الخيار الأمثل لاتخاذه في مجلس الوزراء، سواء لجهة التوقيع او الامتناع، ولكن من دون عرقلة صدوره. وسيتخذ القرار النهائي في ضوء حسم تفسير ما نصت عليه المادة 56 من الدستور حول دور رئيس الجمهورية في اصدار القوانين ومفهوم هذا الدور، والمهل التي تنص عليها المادة المذكورة من اجل نشر القوانين. وتبعاً للتفسير الذي سيغلب، يمكن اتخاذ القرار المناسب. أما لجهة الطعن، فان التكتل الذي لم يحسم ايضاً موقفه منه، لا يستبعد عدم اللجوء اليه، في ظل انتفاء الحاجة الى "الامعان في استهداف المؤسسات واظهار عجزها".

 

ومن الواضح، تبعاً لذلك، ان سقف التكتل مهما كان موقفه في مجلس الوزراء، هو عدم تفجير مجلس الوزراء. اما الثمن الذي يريد ان يقبضه سياسياً فهو تسيير شؤون الوزارات والمشاريع وأمور الناس في مجلس النواب وتخفيف "التوقيع الثالث" من القيود التي يفرضها.