الحروب التي قادها حزب الله ضد العدو الصهيوني منذ انطلاقة المقاومة

الاسلامية في لبنان مطلع الثمانينات من القرن الماضي لم تكن معزولة

عن لعبة التوازنات الاقليمية والدولية وكانت خاضعة لمسيرة الاشتباك

السياسي الايراني الاميركي طورا ولدور سوريا في المعادلة الاقليمية

طورا آخر .

  صحيح ان حزب الله كان يكسب نقاط يضيفها الى رصيده السياسي

على الساحة الداخلية من خلال العمليات البطولية النادرة التي كان

يخوضها رجال المقاومة الاسلامية ضد المواقع الاسرائيلية ويحقق نجاحات

باهرة اذهلت العالم فضلا عن الكيان الاسرائيلي الذي طالما تباهت

قياداته السياسية والعسكرية بالجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر

وبدبابات الميركافا العصية على التدمير من اي نوع من انواع الصواريخ

التي تستهدفها , الا ان الاصح ايضا ان هذه العمليات يتم اختيارتوقيتها

تبعا لوتيرة الصراع الايراني مع دول الغرب ويأتي في مقدمتها صراع

المصالح الايرانية ــ الاميركية .

  ومع غياب هذه العمليات منذ حرب تموز في العام 2006 تأتي العملية

الاخيرة التي نفذها حزب الله في الايام القليلة الماضية ضد دورية

اسرائيلية في منطقة السدانة في مزارع شبعا المحتلة وادت الى

اعطاب الدبابة وجرح طاقمها في هذا السياق.

فعلى الرغم من السبب المباشر الذي ساقه حزب الله تبريرا لهذه

العملية معتبرا انها جاءت ردا على استشهاد احد عناصر الحزب قبل

ايام على يد جنود اسرائيليين , الا ان العملية من حيث ملابساتها

وتوقيتها اثارت تفسيرات عديدة وكلها تتجاوز طابع الرد الانتقامي

الى مجموعة قراءات واحتمالات لا يمكن عزلها عن تطورات المنطقة

وتداعياتها انطلاقا من واقع ان ما ينطلق من جنوب لبنان في اتجاه

اسرائيل غالبا ما يتسم او يعبر عن طابع اقليمي اورسالة اقليمية.

  مصادر دبلوماسية عزت عملية التفجير الى سعي حزب الله

لتحويل الانظار عن خسارة معنوية وبشرية طاولته في مواجهة

جماعات مسلحة في جرود بريتال واعادة التذكير بجوهر مهماته

السابقة في مواجهة اسرائيل فضلا عن استعادة وجهه الاصلي

الذي غيبته مواجهات مذهبية تضعه على قدم المساواة مع

تنظيمات ارهابية يحاربها تحت عناوين مختلفة .

   وهناك مصادر قاربت الموضوع من زوايا اخرى منها ما يتصل بربط

الحزب او ايران في شكل اساسي لبنان بما يجري في المنطقة

ومنها من يراها من الزاوية السورية بانها سعي من النظام السوري

لعدم ترك  اسرائيل بمنأى عن تداعيات محاولات الاطاحة بالنظام.

وثمة من يسلط الضوء على ان حزب الله يوحي بانه قادر ليس فقط

على التحكم بادارة الوضع على الحدود مع سوريا بل ايضا على

الحدود مع اسرائيل , وتوجيه رسائل بهذا المعنى اضافة الى

الموضوع السياسي الداخلي المتمثل بعرقلة حزب الله لانتخاب

رئيس جديد للجمهورية , بمعنى ان مجمل المشهد يفيد بتحكم

ايران عبر حزب الله بمفاصل البلد وامساكها بقرار الحرب والسلم

مع اسرائيل بغض النظر عما يشكله هذا التجاوز من احراج

للحكومة اللبنانية .

   مصادر اخرى رأت في هذه العملية بانها رسالة من حزب الله الى

التحالف الدولي ضد داعش , حيث شكك الحزب بهذا التحالف الذي

يتستر بمكافحة الارهاب ويحاول ان يعيد قواته ونفوذه من جديد

الى العراق وسوريا وتاليا الى لبنان , وحزب الله يريد ان يقول لهذا

التحالف بانه جاهز لقلب الطاولة في وجه الجميع وانهم اذا اختاروا

الحدود اللبنانية ــ السورية ملعبا لادواتهم فهو يعرف كيف تقاتل

الارض مع اهلها .

   يبقى الاهم في هذه العملية ضد اسرائيل ان حزب الله يدرك

جيدا ان اسرائيل ليست في وارد الرد على هكذا عملية ,وعليه

فانه سارع الى تبنيها فور وقوعها ليوجه من خلالها رسائل تصب

في المصلحة الايرانية اولا وفي مصلحة النظام السوري تاليا وفي مصلحته لاحقا سواء على المستوى الداخلي اوالاقليمي.

وهذا يؤكد النظرية القائلة بان المقاومة الاسلامية على الدوام

كانت ولا تزال ورقة اقليمية لخدمة المشروع الايراني , بغض النظر

عن استفادة النظام السوري منها .

                                     طانيوس علي وهبي