الوهم المتأصل في عقل الاطراف السياسية التي تعاقيت على تولي الحكم في لبنان منذ الاستقلال والى اليوم هو جدية الاهتمام الخارجي بلبنان واستعداد اصحابه لبذل الغالي والنفيس من اجله .

   وقد بالغ بعض قادة هذه الاطراف السياسية اليوم بالرهان على الخارج لحلحلة الملفات الداخلية العالقة والمعقدة لدرجة ان الرهان تحول الى رهن البلد الى هذا الخارج ,فانقسم البلد تبعا للخلافات الاقليمية والدولية بين مراهن او تابع لهذه الدولة وآخر تابع لدولة اخرى ومراهن عليها للتدخل في الشأن الداخلي لمصلحته .

  واليوم يبدو الوهم كبيرا وذلك من خلال تأكيد المسؤولين وخصوصا المرجعيات الدينية المتنوعة التي صارت محترفة سياسية برهانهم على الخارج ,ان هناك مظلة دولية فوق لبنان تمنعه من الانزلاق نحو الفتنة والحروب ,علما ان تصرفاتهم وحركتهم لا تتوافق مع هذا الوهم المتضخم , اي لا يقومون بدورهم ومسؤولياتهم اللذين يفرضان عليهم العمل لتسهيل التخلص من كل عوامل الفتنة والتفجير ,بل على العكس من ذلك فانهم يوغلون في التشدد والتطرف والاختلاف بل العداء وفي تبادل فرض الشروط والشروط المضادة .

      واليوم وفي ظل الحراك الدولي والاقليمي لمواجهة جماعات ارهابية باتت تشكل خطرا وتهديدا لأمن واستقرار دول المنطقة والعالم كله ,ولبنان دخل في دائرة هذا الخطر من خلال اقدام تنظيم داعش وجبهة النصرة على خطف عشرات العسكريين من جنود ودرك وذبح اثنين منهما هما الشهيدين علي السيد وعباس مدلج نرى ان القوى السياسية المتحكمة بالبلد من 8 و14 آذار عاجزة عن انجاز ملف انتخاب رئيس للجمهورية الذي يمكن ان يشكل حصانة للبلد من بعض الاخطار التي تتهدده  .

    فاللبنانيون المشتبكون سياسيا والواقفون على حافة الاشتباك الامني والعسكري ينتظرون اتفاق الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية على احر من الجمر ,باعتبار ان هذا الاتفاق الثلاثي من شأنه انجاز ثلاثة ملفات لبنانية على الاقل . اولها ازالة العقبات من امام الشغور في رئاسة الجمهورية بحيث يسهل انتخاب رئيسا للجمهورية وثانيهما الافساح في المجال امام حكومة قوية تتشكل من فريقي الصراع في لبنان 8 و14 آذار وتكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية وانجاز الملفات الداخلية العالقة التي تمكنها من تسيير شؤون الناس , وثالثهما التمديد للمجلس النيابي باعتبار ان الوضع الامني لا يسمح باجراء انتخابات في الوقت الرهن .

     واذا كان البعض رأى في زيارة مساعد وزير الخارجية الايراني عبداللهيان السعودية ولقائه ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز في جدة الاسبوع الماضي كافيا لحل المشاكل بين طهران والرياض ,فيه الكثير من المبالغة والتفاؤل ,والحقيقة التي على الجميع ادراكها هي ان التقارب الايراني السعودي اليوم يتم تحت ضغط خطر الجماعات الارهابية الذي يهدد كافة دول المنطقة ,اي ان هذا التقارب ومعه التنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية يجري الاعداد له لمواجهة المخاطر التي تهدد العالم باجمعه .

     وبانتظار التفاتة اقليمية ودولية تحمل كلمة السر التي توحي باسم الرئيس الجديد يبقى اللبنانيون رهائن هواجس امنية يغذيها الشحن المذهبي والطائفي الخطير , وينتظرون بكثير من الحذر والخوف ما قد تؤول اليه مشكلة المخطوفين لدى جماعات تكفيرية متطرفة خارجة على الدين والقانون والتي لا تبشر باي مسحة تفاؤل يمكن ان يعول عليها اللبنانيين .

                                  طانيوس علي وهبي