شورى المراجع أو شورى الفقهاء والمفكرين الاسلاميين فكرة طُرحت منذ زمن بعيد , وهي في الواقع فكرة مهمة من حيث أنها تشجع العمل الجماعي , وتُلغي العمل الفردي غير المنتج عادة , وينبغي نضوج هذه الفكرة وأن تكون ذات بُعد عملي بعيدا عن الااستئثار والاستبداد بالراي , والمؤسف أن الاعمال الجماعية في مجتمعاتنا نادرة جدا , والذي جعل الناس يهربون الى الاعمال الفردية هو عدم وجود تشجيع للأعمال الجماعية , وعدم وجود ثقافة تألف العمل الجماعي , ومهما يكن في الواقع من ممارسة , فلا بد لنا من أن نعمل على تجسيد هذه الفكرة ثقافيا لتكون الفكرة حاضرة وجاهزة أمام أي عمل نقوم به في الاجتماع الانساني ونتعلم كيف نطبقها ونستمر بها , لأنه من البديهي الواضح أن العمل الجماعي أفضل وسيلة لصون الفكر والثقافة , وتزداد أهمية العمل الجماعي في الامور والقضايا الدينية , وهذا هو هدف البحث , ونتائجه تكون أقرب الى الواقع .

لقد تعوّد الناس في البلاد الاسلامية على العمل الفردي , وأصبح هو الثقافة المفضلة , فلا بد من العمل إذن على إلغاء هذه الثقافة , وتشجيع الناس عليها , أولا من خلال التطبيق العملي لفكرة شورى المرجعية الدينية , والجرأة على ذلك تحتاج إلى رفض الانانية والاستئثار بالسلطة , والاعتراف بالآخر , اذا تمّ ذلك فيصبح من السهل أن يجتمع الفقهاء والعلماء لبحث القضايا الفقهية والدينية , وبعد ذلك يقررون النظر والرأي الارجح والاحسن , ولا أرى مانعا علميا ولا دينيا من أن تُجمع الرسائل العملية للفقهاء برسالة واحدة , والدليل على ذلك أن الرسائل العملية للفقهاء هي عبارة عن نُسخٍ متكررة بأسماء متعددة , فلا يوجد خلاف جذري بين فقيه وآخر إلا بما ندر , وخاصة بما يتعلق بأمور سياسية لها علاقة بزعامته , على سبيل المثال " فكرة ولاية الفقيه " التي هي بالاصل ليست ثابتة على أنها فكرة دينية , بل الارجح أنها فكرة سياسية إبتدعها الشيخ الكركي لشرعنة السلطة المطلقة التي وهبه إياها الشاه , راجع ذلك في كتاب , البهائي للدكتورة دلال عباس .

فكرة شورى المراجع مهمة جدا , ولها نتائج أيجابية كثيرة , إذا ضمّت الشورى المراجع الواقعيين والفقهاء المتخصصين وأصحاب الرأي والنظر , وما هو المانع من توسيع الشورى لتضم علماء من كل المذاهب وخصوصا في الامور المتعلقة في مصلحة الاسلام , وإدارة شؤون العالم الاسلامي , ويكون لكل مذهب شورى تبحث الامور الفقهية .

طبعا نحن لا ننكر أن هناك موانع كثيرة داخلية وخارجية , غير التي ذكرناها , ولكن الفكرة ليست مستحيلة وليست غريبة على الفكر الديني الوحدوي , فلذا يجب على العلماء والمراجع والمفكرين والمثقفين أن يعملوا من أجل ذلك , والصعوبة الموجودة لا تُعفيهم من هذا الواجب الديني الكبير والخطير .

بناء عليه , فإن الشورى التي نتحدث عنها لا تنحصر في الفتوى فقط بل تشمل جميع الجوانب الحياتية , السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والروحية .

يبقى أن نذكر على سبيل ردّ الاشكال قبل وقوعه , أننا إختصرنا البحث ليطلع القارئ على الفكرة سريعا , وأن ثمة مسألتين في البحث هي الخلاصة : مسالة إدارة شؤون المسلمين كافة , ومسالة إصدار الفتوى العملية المتعلقة بعمل المكلف كفرد , فلو حاول أحدٌ منا أن يطلّع على كتاب العروة الوثقى , لرأى ووجد إختلافا بين آراء الفقهاء , والسبب هو أن الانتاج الفقهي المجموع في الكتاب قد أنتج بشكل عمل فردي , فلو كان العمل في هذا المجال قد تمّ جماعي وبمجلس شوروي , فلا شك أن هذه الاختلافات كانت تقلّصت وإنحسرت كثيرا , نقول إنحصرت لانها لا يمكن ان تزول نهائيا , ومَنْ له حظ من علوم أصول الفقه يعرف معنى ما نقول .

الا أن الحقيقة تقول أن العمل الجماعي والعمل الشوروي يخفف ويقلل من موارد الاشتباهات التي من الممكن أن يقع فيها أصحاب الرأي والنظر والفتوى , وهذا أمرطبيعي لأن الفقيه ليس معصوما عن الخطأ , بل يخطئ ويصيب , وبما أنه غير معصوم ويخطئ ويصيب , فإن فكرة الشورى والتشاور آكد وضرورية لصون الفكر والانتاج من الخطأ , كما قال الامام علي عليه السلام " من شاور الرجال شاركهم في عقولهم " .