دخلت شروط النصرة السورية تعقيدات الساحة اللبنانية الأمرّ الذي أعاد مسألة المخطوفين العسكريين الى السكين لبدء مشكلة من نوع آخر لا مجال فيها الاّ لرائحة البارود المتصاعدة من فوهات البنادق المرابطة على أكتاف بلدة عرسال . لأوّل مرّة تتصرّف النصرة بطريقة سياسية ملفتة أربكت الوضع السياسي عندما فتحت ملف الاسلاميين في لبنان عن طريق المقايضة العسكرية لتشغل بذلك الخلاف القائم على موضوع حسّاس جداً لارتباطه ببعدين الأول طائفي مذهبي والثاني اقليمي دولي يدفع باتجاه ابقاء الارهابيين في السجن . اذاً هناك انقسام لبناني حول الاسلاميين فجهة تعتبرهم أبرياءا أو مدانين ويجب محاكمتهم ولا يجوز ابقاؤهم في السجن دون محاكمة وجهة تعتبرهم آفة ارهابية لا مجال للتخلص منها بطريقة المحاكمة في ظلّ موقف دولي صارم يحذّر من عملية اطلاق سراحهم تحت أيّ عنوان من العناوين السياسية أو القانونية .لم ينجح آنذاك لا حزب الله ولا تيّار المستقبل في حلّ أزمة الاسلاميين في السجون اللبنانية لاعتبارات عديدة لذلك بقيّ الملف مفتوحاً على تصدعات طائفية مستغلة من قبل لاعبين في الأمن اللبناني . واليوم نجحت النصرة في أحياء هذا الملف الذي يتجاوز قرار البتّ فيه اللبنانيين لذلك اصطدمت شروط النصرة السورية بواقع ملف معقد وبحسابات سياسية لأطراف تستثمر بالأسرى والموقفين لبنانياً ومن مدخل الاستحقاق الرئاسي . النصرة من جهتها غير مهتمة بالموقوفين بسجن رومية لأنها تعتبر السجن ساحة جهاد والاخوة يجاهدون في رومية كما يجاهدون هم في جرود عرسال وما طرح المقايضة الا من قبيل اشعال الفتنة في لبنان داخل السلطة وداخل المجتمع في موضوع لا يمكن لأحد التعاطي معه باستخفاف لأن حساباته دقيقة ويبدو أن المسؤولين في لبنان يغامرون بطريقة ايجابية للتوصل الى ما يشبه الحدّ من الخسائر في ظلّ طريق مزروع بالالغام من سجن رومية الى جرود عرسال . بالتأكيد لم تكن المصادر التركية تمني بالقدر الذي عبرت فيه عن تجاوب لبناني مع عملية التبادل ولكن سرعة الخلافات اللبنانية من الجماعة الارهابية قدّ عطلّ المساعي الناشطة في هذا المجال وآخّر من حلّ لا يوجد طريق غيره للوصول الى سكة السلامة .بتقديري أن المشكلة أكبر بكثير مما هي عليه. فالأسرى العسكريين والمسجونين الاسلاميين مجرد وجه من وجوه الأزمة التي تحمل في داخلها نار الحرب السورية وكلما أحسنّا التعاطي مع ظواهر هذه المشكلة فوّتنا على أنفسنا مشقة الحرب أو آخرنا من احتمالاتها القادمة وبقوّة مادامت أسبابها خصبة بين اللبنانيين .