ثمَة أسئلة ملَحة، تتكاثف وتتكاثر في كلَ سنة، على أبواب الذكرى السنوية لاخفاء الامام الصدر ورفيقيَه، وتتنوَع، وتتعدد،وكأنَ قدر الشيعة اللبنانيين التمسَك بسيرة سيَد أشكل عليه الكثيرون، وفاء به البعض لحظة توريط الطائفة بمحرَمات المذهب، وفي ذلك مخالفة واضحة لأرباب التشيَع الذين أقفلوا أبوابهم على خصوصيَاتهم، وما فتحوها الاَ لضرورة في دين، لا طمعاً في دنيا، زهدوا فيها، وبها.

هكذا عرفنا المذهب غريباً عن السلطة، وبعيداً عنها، وعن همومها ومشاكلها وأكاذيبها، نائياً عن كلَ مكروه سلطوي، مادام من بيده الأمرُ غير حاضر، وهو غائب، والانتظار نصف الفرج، ونصف التقية الناجية من عسف السلطة.

في العودة الى السيَد موسى الصدر الذي خرج أكثر من مرَة خروج "موسى" "ع" من قومه، هرباً من فراعنة عرب نتيجة لسياسة أمَها باتجاه مخالف لقبلة المقاومين آنذاك من أهل اليسار الللبناني والفلسطيني، وأسَس على سطحها حركة المحرومين "أمل" بمضمون طائفي، وببعد وطني، واعتبر الاصلاح السياسي في بنية الدولة بداية الحلَ للمحروم في أرضه،ووسيلة مُنجية للبنان من أهوال الحرب الأهلية التي وقف ضدَها،واعتصم وحيداً باسطاً يدَ السلام الذي جنح له، ولم يمدَ أحد من أطراف الحرب يداً لملاقاة السيَد لتجنب حرب مازلنا حتى الآن ندفع أثمانها الباهظة.

بما أنَ الجنوب مفتاح أمن لبنان، فقد أكَد السيَد على ضرورة اخراج الجنوب من دائرة الصراع مع العدو، اذا لم تتوفر استراتيجية عربية، لأنه من الحرام جعل الجنوب وحده من يدفع فاتورة المعركة، وأن يتحمل وحده عبء الصراع الذي فتحه المستفيدون من جعل الجنوب رهينة قضية، لا طمع لأحد من العرب والغرب في حلَ مسألتها، ووضع حدَ لأزمتها، لأنها أتاحت لهم فرصاً كثيرة وعديدة عزَزت من استقرار الكثير من الرئاسات العربية، ولبَت مصالح دول موكل لاسرائيل حماية مصالحها، وخاصة في حقبات تاريخية، زمن الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفياتي حيَاً، ويمارس سطوته وسيطرته مناصفة مع "شريكته" الولايات المتحدة الأمريكية.

في مناسبة الذكرى، تبدو مقاربتها مساوقة مع ورشة الورثة، مع الذين أسَسوا سياسات صدرية في الشكل، نقيضة لها في المضمون، من خلال الانتقال، والتحوَل من الطائفية الى المذهبية، والغاء البعد الوطني الميثاقي من الخصوصية الطائفية، في لحظة من التماهي مع البعد الحدودي، واقصاء لبنانية الحركة الصدرية الشيعية، وتقريب جهوية قومية حزبية مصطنعة، وقائمة على عصبوية طائفية منتقصة من شروط المواطنية الشيعية، ومن التزاماتها، داخل ورشتيَ السلطة والمجتمع.

من هنا تبرز الذكرى كحاجة للسائد الشيعي في تظهير نفسه وفق مسوَغاته الخاصة، ودوره الوظيفي، وارتباطاته خارج الكيان، وتبقى تاريخية صاحب الذكرى فضاءًا مفتوحاً لكلَ المحاولين التسلل الى الدولة، من الباحثين عن خيارات رشيدة تضع الايديولوجية الحزبية، والعصبوية الطائفية، خارج السياقات الصدرية المؤسسة لعناوين من الصعب فكَها، مهما حاول فقهاء الطائفة تزييف حقيقتها.

لقد حمل الكثيرون من أهل الإصلاح الشيعي موقد النور الذي استوقد ناره موسى الصدر لإتلاف العتمة التاريخية، ووضع حد للاهمال والحرمان في لبنان، من خلال بناء الدولة لا الطائفة، بعد أن تقاسم عباءة السيَد اتجاهان ربحا المناسبة والذكرى، وخسرا السيَد الذي بقيَ حالة مطلبية وتصحيحية تستدعي دائماً البحث عن الوحدة الداخلية باعتبارها ثروة لبنانية، وهدم كلَ السقوف، والتخاصم والتوافق تحت سقف الدولة، وحماية الجنوب والجنوبين باخراجه من حسابات الدول المستفيدة من جعله ساحة لتصفية الحسابات العربية العربية، والحسابات والمصالح الامريكية والغربية، ومن الأطماع الاسرائيلية، وبالتالي الى صيانة الأمَة من منزلقات الفتن الطائفية والمذهبية.

منذ سجن السَيد موس الصدر في ليبيا، والشيعة اللبنانيون حبيسو سجن أفكار السيَد المحررة لهم من قيود متعددة، سواء أكانو قدَ تجاوزوا في عناوين كثيرة أطروحات الامام الوطنية، أو مازالوا يتمسَكون بشيعية متماهية في الدولة، ويؤمنون بايمانه العظيم في الكيان، وفي التعايش، وفي الدور المسيحي الطليعي والذي من شأنه أن يضع لبنان وسط أعين اهتمامات المجتمع الدولي، وفي كسر الصنم الطائفي والمذهبي والتمسَك بوحدة المسلمين، وفي المقاومة المتسلحة بارادة لبنانية والمعبَرة عن سلطة وطنية مستعدَة لردع العدوان، وقادرة على نُصرة الفلسطينيين في حقهم عندما تولد ارادة عربية وتبنى جيوش نظامية وشعبية زاحفة نحو فلسطين. انسجاماً مع قوله الشيهرردَاً على كلَ تهجير جنوبيَ : شكلوا استراتيجية عربية والجنوب في المُقدمة