سيطرت المقاومة الفلسطينية على المسلمين في لبنان منذ الحرب الأهلية بقوّة القضية الفلسطينية وبطبيعة النظام الطائفي الماروني وحاجة المسلمين الى مساعدة في التغيير لسلطة متمركزة في طائفة دون سواها من الطوائف اللبنانية . كانت الطائفة الشيعية الأكثر حرماناً قد صحت على صياح ديك الحركة الوطنية ببعدها الفلسطيني وتحزبت لصالح العلمنة الملحدة بعد تجربة أولية في حركة القوميين العرب ولم تلتفت لمذهبيتها الاّ بعيد مجيء وسعيّ السيّد الصدر للمّ الطائفة وجمع كلمتها وتوحيد صفوفها وتحشيد دورها الريادي والطليعي في دائرة النضال السلمي لتحسين شروط تمثيل الطائفة الشيعية في الدولة المحتكرة لصالح الموارنة في لبنان. كان المدّ القومي والماركسي المدعوم من المقاومة الفلسطينية ينتشر كالجراد وكان من الصعوبة خرق هذا الجدار السياسي السميك من قبل دعوات طائفية كدعوة الامام الصدر خاصة وأن دعوته محاطة بألف علامة استفهام من قبل الحركة الوطنية وتشخيصها لحركة الصدر بأنها نسخة طبقة الأصل عن هوية النظام السياسي الطائفي لذلك شُنّت حروب ضروس على السيّد الصدر بدءًا من صور المدينة التي خرج منها خائفاً  من اليسار الشيعي ليحتمي بمنطق العشائر في البقاع حيث بدأ من هناك رحلة بناء الطائفة الشيعية كرصيد موضوع في حساب الدولة اللبنانية لا في حسابات المشاريع الضخمة لجماعات الحركة الوطنية . من منطق النظام الطائفي العادل ومن الموقع الانتماء العربي السوري تحديداً والتزاماً بشرعية ومشروعية المقاومة الفلسطينية بنى السيّد الصدر درج صعود الطائفة الشيعية وشهد تحركه الشعبي الشيعي والوطني مزيداً من الاستقطاب المدعوم من جهتين مختلفتين في لبنان وهما النظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية ومن قبل الدولة المارونية وهذا الدعم المادي والمعنوي لطائفة الصدر أسهم في دفع الشيعة السياسية الى حيّز الوجود وكانت قدرات السيّد الاستثنائية في استقطاب الناس والتناقضات السياسية الداخلية وبابعادها العربية المجال الذي أتاح لطائفة تعرّت من طائفيتها أن ترتدي من جديد عباءة الطائفة وهذا ما جعل من السيّد الصدر خصماً قويّاً لأحزاب الحركة الوطنية ومن ثمّ خصماً فعليّاً لحركة فتح التي ساعدته في البداية ولكنها واجهته نتيجة لسياسات السيّد الصدر الداخلية وفي مقدمتها موضوعي الحرب والمقاومة من الجنوب والخارجية وفي مقدمتها العلاقة مع سورية . رفع الامام الصدر شعارات مشابهة لشعارات الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية بما يتصل بالاصلاح السياسي اللبناني وبالمسألة الفلسطينية تماشياً مع أحقية القضيتين لكن الاختلاف وقع في كيفية العمل لتحقيق مطالب القضيتين اللبنانية والفلسطينية العادلتين مع الجهتين اللبنانية والفلسطينية من خلال اعتماد اليسار اللبناني الحرب الأهلية كطريق وحيد لاسقاط النظام الطائفي واعتماد المقاومة الفلسطينية الحرب الأهلية في لبناناً ممراً آمناً للوصول الى فلسطين وهذا الاعتماد من قبل الحركة والمقاومة خلق عداءً مستحكماً مع الصدر الذي رفض الحرب الأهلية لأنها مدمرة وليست مشروعاً سليماً لاسقاط النظام ولأن زواريبها لن توصل الفلسطينيين الى فلسطين بل ستضلهم عن طريق فلسطين الوحيد والذي لا يمرّ بأيّ طريق أو زاروب عربي .. وكان الجنوب أحد أبرز عناوين الخلاف مع المقاومة الفلسطينية التي عمدت الى جعل الجنوب ساحة للخراب من خلال استهداف اسرائيل من جهة واستدراجها من جهة ثانية الى الحرب اللبنانية لذلك رفض الامام منطق المقاومتين اللبنانية والفلسطينية واعتبر أن استخدام الجنوب كساحة صراع خاسر مع اسرائيل عمل حرام وأدان الممارسات العربية واللبنانية والفلسطينية بحق لبنان والجنوب خاصة واعتبر أن توريط البعض للبنان في لعبة الصراع العربي-الاسرائيلي هو مساهمة في تحميل لبنان أكثر من طاقته وقال أكثر وأدان أيضاً الوسائل  العسكرية المستخدمة من قبل الفدائيين الفلسطينيين عندما قال : ان كل صاروخ يطلق من جنوب لبنان هو خدمة لاسرائيل وضرب للقضية الفلسطينية ..شكلوا استراتيجية عربية لمواجهة اسرائيل والجنوب في مقدمتكم أما أن تحملّوا الجنوب وحده عبء القضية الفلسطينية فهذا حرام.. نحن لم نختار الحرب مع اسرائيل هناك من اختار الحرب معها من العرب بالتعامل مع أطراف داخلية .. لقد سعت هذه الجماعات الى جعل الجنوب ساحة صراع مفتوحة مع اسرائيل لتحقيق مصالحها لا خدمة بالقضية ولا سعياً في التحرير ويبدو أن القرار العربي المتخذ بحقّ الامام الصدر والذي نفذه المقبور القذاقي هو بسبب موقف الامام من موضوع الجنوب ودعوته الى اغلاق هذه البوابة التي تخرب بيوت الجنوبيين وتسهم في المحافظة على عروش أنظمة وعلى دور المقاومة في تحسين رأسمال الثروة الفلسطينية . طبعاً هناك مواقف تاريخية اتخذها الامام الصدر ودفع أثمانها باهظة من خلال اجتماع الجميع عليه لاخراجه من المعادلة السياسية بعد أن أصبح مصدراً مُهدداً لكثير من الأطراف العربية والفلسطينية والوطنية . لقد دارت علاقة الصدر بالمقاومة الفلسطينية بين السلب والايجاب ففي مراحل وقف الى جانب المقاومة وتعاون معها وفي مراحل أخرى أدان تصرفاتها وممارساتها بحق القضية الفلسطينية التي أضاعوها في لبنان.