رائع كان المشهد الاحتفالي لمن تبقى من الغزاويين بُعيد اعلان وقف اطلاق النار، وخروجهم الى الشوارع من تحت انقاض منازلهم ودورهم واحيائهم الممسوحة، وقبل حتى ان تلتأم  الجراحات، ولا شك ان حينها كان لا يزال بعضا من جثث الشهداء لم تُنتشل بعد كي تدفن ,, خرجوا صغارا وكبارا يحملون على اكتافهم وفي عيونهم  عشقا قل نظيره عند شعوب العالم يخبرك عن قصة حب لارضهم، جذورها عميقة عميقة وضاربة في التاريخ

هذا المشهد الذي لا يمكن الا ان يستوقفك مليا، ولا يمكن  إلا ان تفهم للوهلة الأولى جمال هذا الخليط من الألوان الذي يتشكل منه ، فأسود الحزن، مع احمر الدم، ممزوجا برماد البارود، ويعلوه الكثير من الغبار, بعضه من الركام والبعض  الاخر محمولا على ثياب المجاهدين من داخل الانفاق

واما المؤثرات الصوتية للمشهد،  فهي لا تغدو اكثر من قهقهات طفل تقول: لا زلت على قيد الحياة، فلتخسأ كل الة القتل الإسرائيلية ،وان لنا معها موعد اخر .. وفي تلك اللحظة وانت تتابع من بيتك وامام تلفازك وبين اولادك هذا المشهد التاريخي، تنتابك لسعة من الفرح تسري في عروقك لتصل الى كل ذراتك فتتشكل منها بسمة عريضة جدا مرفقة بتنهيدة من أعماق الأعماق كأنك لا تدري سببها، هل هوبسبب  توقف طواحين الموت التي كانت تأكل الأجساد الطرية، اوهوشعور بالاطمنان ان لواء فلسطين لم يسقط نهائيا بعد .

ثم وبعد ان تخلع عنك جلباب اللحظة الإنسانية هذه، وتستفيق من نشوة الانفعالة الأولى ، تتزاحم في رأسك عشرات بل مئات الأسئلة التي تبدأ ب " لماذا " ؟ ولا تنتهي عند "الى اين " ؟ مرورا بالسؤال الأكبر " هل كان بالإمكان تجنب كل هذه المآسي ؟ ولماذا لم ترض حماس بالمبادرة المصرية التي عُرضت عليها بالايام الاولى ورضيت عنها بعد ذلك ؟؟

هل صار النضال الفلسطيني وبذل كل هذه التضحيات فقط لاجل فتح المعابر مع العدو الصهيوني بهدف تدفق منتجاته وسلعه وبضائعه يستأهل كل هذا الدم ؟ وكيف يكون نضال وتحرر وممانعة  وكل هذا وذاك محضون من دول تقيم علاقات رسمية مع العدو ؟

وهل ان كل الذي حدث هو بهدف تطويع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس من اجل تعليمها الرقص على الانغام المصرية  بقيادة السيسي وابعادها عن الموسيقة الإيرانية او أي موسيقى أخرى ، كما حصل مع المقاومة الإسلامية في لبنان بمعارك إقليم التفاح التي لم تنته الا بإعلان الاستسلام للإرادة السورية

هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير, وما يستتبع الإجابة عليها من تحميل للمسؤوليات قد تصل الى حد الحاجة لقراءة جديدة ولتبديل في منهجية إدارة الصراع وما يعني ذلك من الإشارة الى قيادة حماس واتهامها مباشرة ان بسوء التقدير او حتى المتاجرة بالدم الفلسطيني لحساب خيارات إقليمية،او باقل تقدير انسداد الأفق عندها مما حول غزة الى مجرد ورقة في مهب رياح النزاعات العربية

كل هذه الأسئلة المطلوبة والضرورية والتي وحدها اذا ما طُرحت ويجب ان تطرح ومن الشارع الفلسطيني قبل أي احد يمكن ان تشكل ضمان وصون مستقبل غزة وخلفها الحق الفلسطيني،

الا ان الخشية من كل ذلك عند قيادات حركة حماس ومن اجل ان تتجنب أي من الإجابات نراها تلجأ الى نفس الطريقة اللبنانية وتستنسخها مستغلة هي أيضا الوجدان العربي البسيط الذي يعتبر بان  المنتصر لا يُسأل عما فعل بل له فقط كل التمجيد ولا شيء سوى التمجيد ، نراها هي الأخرى ,, تهرب الى النصر .