لا أحد يمكنه أن ينكر أهمية إعلان فرنسا استعدادها لاستضافة مسيحيي الموصل الـ 32000 الذين طردهم تنظيم "داعش" من منازلهم واقتلعهم من جذورهم، علماً أنهم لم يحملوا السلاح ضد مقاتليه الذين اجتاحوا هذه المدينة التاريخية في العراق ذات السكان المتنوعة طوائفهم، ولا ناصبوهم العداء سياسياً اثناء الاجتياح.

 

ولم يستغرب مرجع سياسي سألته "النهار"، حديث وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس عن استعداد بلاده لاستضافة مسيحيي الموصل، وقال ان "باريس تعتبر نفسها من الدول التي ترعى المسيحيين في الشرق وتدافع عن وجودهم، وسبق لها ان استضافت لبنانيين ومعظمهم من المسيحيين اثناء المواجهات التي حصلت مع الفلسطينيين مطلع السبعينات في لبنان". وتدارك: "أما التخوف الوحيد من موقف فابيوس فهو ان تسهّل خطوة فرنسا الانسانية التطهير العرقي الذي يتبعه تنظيم "داعش" المتروك عربيًا ودولياً يتصرف وفقاً لممارسات تعود الى قرون، وهو حالياً يسيطر على 40 في المئة من الأراضي العراقية، وفي حال استمراره على هذا المنوال فالعراق متجه الى التقسيم الى دويلات مذهبية.

 

ولعل المطلوب أن يوضح فابيوس "ان ايواء الموصليين المسيحيين المبعدين في فرنسا موقت، وانها تسعى لدى بقية الدول الكبرى والاتحاد الاوروبي بواسطة مجلس الامن لطرد "داعش" من الموصل واعادة سكانها المضطهدين الى منازلهم، واذا كان الحكم الحالي في العراق عاجزاً عن ذلك فليطلبه من مجلس الامن وفق الفصل السابع. وهكذا يحافظ على المسيحيين في الموصل وفي بغداد وفي أي مدينة يرغمون فيها على المغادرة، وليس بالبيانات الكلامية الاستنكارية التي تجعل هؤلاء مبعدين عن وطنهم كما حصل لآلاف العراقيين الذين اضطروا بعد سقوط نظام صدام حسين للهرب الى اميركا وأوستراليا وكندا وبعض الدول العربية. الحماية تكون باعادتهم الى منازلهم وديارهم ومقار عملهم.

 

إن السكوت الدولي عن الاضطهاد الديني الذي تتعرض له الاقليات المسيحية في العراق لم يقتصر عليهم، بل شمل أيضاً العراقيين الشيعة، وعجزت حكومة نوري المالكي عن توفير الحماية اللازمة لهم ولسواهم من أبناء الطوائف الأخرى.

 

أسئلة عدة مطروحة إزاء ما يجري في الموصل من تمزيق طائفي ونعرات مذهبية على يد "داعش" ترمي الى تقسيم العراق الى دويلات مهذبية بعدما كان من أقوى الدول العربية قبل الاجتياح الاميركي الذي أطاح نظام صدام حسين، لكنه أغرق البلاد في بحر من الدماء نتيجة السيارات المفخخة التي تفجر بالجملة في شوارع بغداد وسواها. وهل المخطط يشمل أيضاً السيطرة على نفط العراق الذي يشكل مخزونه ثلث الانتاج العالمي؟

 

تحرك الفاتيكان، فكان التجاوب الفرنسي السريع ومطالبة بطريرك السريان مار افرام الثاني بحماية مسيحيي الموصل مما لا يقتصر فقط على ارسالهم الى فرنسا وتوفير المأوى والغذاء وربما العمل، بل في محاولة إعادتهم الى أرضهم بالقوة، لان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، والاسراع في اتخاذ القرار التنفيذي هو الضمان. اما التفكير في تجنيد شباب الموصل وتسليمهم السلاح ليحرروا بأنفسهم ما خسروه، فليس مضمون النتائج في مثل هذه الحالة.

 

وأكد عارفون بالطرق الهادفة الى انهاء ظاهرة التطهير العرقي في الموصل، إن من الواجب الاسراع في التصدي لها قبل انتشارها، واقتلاعها من جذورها أينما حلّت.

 

وسألوا لماذا الصمت العالمي على اقتلاع المسيحيين من أرضهم حيث نشأوا، في الموصل وقبلها في سوريا والاسكندرية؟.