لا أجواء انتخابية نيابية في البلاد على رغم أنّ المسافة الفاصلة عن إتمامها لا تتعدى الأشهر الثلاثة. ولا شيء يوحي بأنّ هذه الانتخابات ستتمّ في موعدها. فلا تحضيرات ولا حملات ولا حركة مرشحين ولوائح وتحالفات. ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل أسباب التمديد مقنعة؟

لا ظروف قاهرة في لبنان تستدعي التمديد، وكلّ التبريرات التي تعطى من قبيل أنّ التمديد أفضل من الفراغ، أو أنّ الوضع الأمني في البلاد لا يسمح بإجراء الانتخابات خشية من أن يفجّر انتحاريون أنفسهم بصناديق الاقتراع، أو أنّ الانتخابات لن تبدّل في طبيعة التوازنات، كلها أعذار أقبح من ذنب وتدلّ الى وجود عطب تكويني يتحكم بالطبقة السياسية.

والكلام عن الطبقة السياسية لا يعني الانضمام إلى جوقة السطحيّين الداعين إلى تغيير هذه الطبقة من منطلق أنّ مفتاح الحل في لبنان يكمن في تغييرها، لأنّ الأزمة اللبنانية أبعد وأعمق من وجود هذا الشخص في ذاك الموقع، وتتعلق بالخلاف حول خيارات وطنية كبرى من غير المسموح الوقوف موقف اللامبالاة منها، ولكن في الوقت نفسه، هذا الكلام لا يعني تبرئة هذه الطبقة من أيّ مسؤولية تتصل في دورها بالبحث عن الحلول الممكنة أو انتهاج ممارسة تؤدي إلى حشر الخصم واحتواء الأزمة.

فالمشكلة هي في غياب الإبداع في كل المجالات ومن بينها السياسة، كما غياب روح المبادرة والتغيير، إذ إنّ الطبقة السياسية التي تبحث عن التبريرات للتمديد، بدلاً من أن تضع كل ثقلها لاتمام الانتخابات، غير جديرة بالحكم والمسؤولية.

فلا خلاف مبدئياً حول أنّ سلاح «حزب الله» هو أساس المشكلة منذ الخروج السوري من لبنان، ولكن إذا كان حلّ هذه المشكلة مستعصياً، فهل تُعَلّق الحياة السياسية في انتظار حلول خارجية يمكن ألّا تبصر النور، أم يتم العمل على تطويق هذا السلاح بالوسائل الديموقراطية والديبلوماسية المتاحة؟
ولو كانت قوى 14 آذار في وارد تعليق الحياة السياسية فعلاً من باب الضغط على «حزب الله» لتسليم سلاحه، لكانت سلكت، ربما، أفضل طريق للمواجهة، ولكن أن تكون ضدّ التعليق وضدّ التغيير في آن معاً، فهذه كارثة بحدّ ذاتها.

ولذلك مسؤوليتها تكمن في تسليط الضوء على ممارسات الطرف الذي يعطل مسيرة الدولة في كل الجوانب الحياتية، وأن تشكل ممارساتها قيمةً مضافة وطنياً، لا استنساخاً لتجربة الفريق الآخر، وكأنّ أولويتها هي السلطة على حساب مبادئها وثوابتها، أو كأنها غير معنية بالإصلاح وتطوير النظام السياسي.

فمجرد اعتمادها النهج التغييري من الداخل وعبر الممارسة السياسية يعني أنّ عليها الذهاب الى النهاية في هذه التجربة، وذلك عبر الفصل الموضوعي بين ثلاثة مسارات:

المسار الخارجي وهو وحده الكفيل بتحديد الوضع الذي سيرسو عليه لبنان أكان استمراراً للحرب الباردة، أم وصاية جديدة، أم عودة للدولة، وبالتالي من غير المسموح تجميد كلّ شيء في انتظار ما ستؤول إليه هذه التطورات.

مسار المواجهة مع «حزب الله» لجهة دوره الإقليمي وسلاحه الذي يجب ألّا يتوقف سياسياَ عبر تحميل الحزب يومياً مسؤوليةَ إبقاء لبنان ساحة واستجلابه الحروب الخارجية، وتوظيف هذا المسار كورقة للضغط على الحزب وتوسيع التحالفات الوطنية.

والمسار الداخلي المتصل باليوميات السياسية ووظيفتها إعادة الحياة السياسية قدر الإمكان إلى طبيعتها عبر تعويد الناس على دورية الانتخابات ونوعٍ من الرفاهية الاقتصادية والسياسات التي أولويتها مصلحة المواطن على أيّ شيء آخر، لأنّ أحدَ وجوه المواجهة مع السلاح والتطرف يكمن في إرساء مناخات من الاستقرار والاعتدال.

ومن هذا المنطلق، التمسكُ بإجراء الانتخابات واحترام المهل الدستورية مسؤولية وطنية، خصوصاً أنّ لا أسباب مقنعة للتمديد، وسوى ذلك يعني الإطاحة بالنظام اللبناني وكل التجربة الرائدة السابقة التي تعود إلى ما قبل تأسيس لبنان الكبير، فضلاً عن أنّ الممارسة الديموقراطية هي أحد أبرز أساليب المواجهة السياسية، لأنّ هناك مَن يريد عن سابق تصور وتصميم ضرب التجربة اللبنانية تمهيداً لتجربة أخرى لا تشبه صورة لبنان ودوره.

ولا يمكن تفسير التمديد إلّا كونه تعبيراً عن شراكة بين القوى السياسية التي تختلف في القضايا الوطنية وتأتلف في القضايا السلطوية، الأمر الذي يعني بأنّ الأزمة في لبنان هي من طبيعة مزدوجة: وطنية مع القوى المصمّمة على تغييب الدولة وضرب الصيغة التعايشية المدنية للجمهورية اللبنانية، وسلطوية مع القوى التي أساءت وتسيء في ممارستها للقضية اللبنانية، حيث تقاطعت، ولو بشكل غير مباشر، مع القوى المهيمنة على الدولة.

ويبقى أنّ رفض التمديد لا يفترض أن يكون للمزايدة الشعبوية، إنما تعبيراً عن ثقافة ديموقراطية، ومَن عطّل الانتخابات الرئاسية لا يحق له إعطاء الدروس في الديموقراطية.