ضد النسيان، وقفت إحدى عشرة مدينة ايطالية يوم الثالث عشر من آذار/مارس الماضي لإحياء ذكرى ولادة ابن البروة. لم يكن اللقاء احتفالا ولا تكريما انما كان محاولة انقاذ لأعمال أحد أكثر العرب ترجمة للايطالية الى جانب أدونيس ونجيب محفوظ. ايطاليون وعرب اجتمعوا تلبية لنداء أطلقته المدوّنة كيارا كوميتو فزعا وهي تشاهد اختفاء آخر أثار محمود درويش المترجمة للايطالية من المكتبات.
بدأت المشكلة حين لم تصمد دار النشر «ايبوكي» أمام الأزمة الاقتصادية، فأغلقت أبواب هذه المؤسسة التي عرفت منذ انشائها في ميلانو سنة 2003 بنشر أعمال شعراء وأدباء من الشرق الأوسط وافريقيا حتى مناطق البحر الكراييبي والمحيط الهادي. بعد افلاس ايبوكيه تم التخلص من كتبها غير الموزّعة بإعادة «تدويرها» كمجرد «ورق مستعمل»، فكان من بين الكتب التي وقعت تصفيتها آخر دواوين درويش واصبح الحصول على نسخ ايطالية منها ضربا من المستحيل في ظل استمرار عزوف دور نشر اخرى عن الدخول مجددا في التجربة.
«قصائد ضد النسيان. قراءات شعرية لمحمود درويش»، موعد جمع غرباء الارض، أبناء اللغة، بأحباء درويش من أبناء البلد غرباء اللغة، فكان نشيد بقاء وأمل ترنمت به روما، نابولي، ميلانو، البندقية، ساليرنو، باري، تورينو ... وتردد صداه في انحاء ايطاليا.. فعاليات عدة أثثت هذه الأمسيات التي تفاوت الاقبال عليها من مدينة الى اخرى وتساوت كلها في صدق اللحظة وقوة الرغبة في استرداد حق الجمال، ضد النسيان. حق قالت عنه كيارا كوميتو انه حق انساني في ابداع درويش.
لم تكن تلك نهاية القصة، ولم يتفرق الجمع على فراغ.
احدى التوصيات كانت أن يحاول المشاركون الذهاب مرارا للمكتبات لطلب دواوين درويش رغم اليقين بعدم توفرها، اشعارا للقائمين عليها بقوة الطلب للضغط على دور النشر. لكن كان ايضا من بين الحاضرين من بدأ قبلها العمل فعلا على مشروع آثر ان يرافقه الصمت الى ان يتحقق.
اليوم، بينما تقف فلسطين على حافة وجع جديد، يقف كتاب درويش الذي ستصدره دار «فلترينلي» في التاسع من هذا الشهر على حافة فرح «خفيف على القلب والخاصرة»..
«درويش، ثلاثية فلسطينية» كتاب يجمع مؤلفات محمود درويش النثرية («في حضرة الغياب»، «ذاكرة للنسيان»، «يوميات الحزن العادي») ليعيدها قبيل شهر من الذكرى السادسة لوفاته الى مكتبات ايطاليا وقلوب الايطاليين بفضل رامونا تشيوكاني واليزابيتا بارتولي اللتين قامتا بالترجمة والمراجعة للنشر.
«هل تكون ولادة جديدة؟ هكذا يجب أن تكون. لا بد من ولادة. هل يصقلنا الموت؟ هكذا يجب أن يكون. لا بد أن يصقلنا الفرح. ستبدأ المقاومة. ستبدأ المقاومة. انتهى كل شيء. وتبدأ المقاومة.» (محمود درويش ـ يوميات الحزن العادي ـ 1973).