من مناجم الكلمات ننقب عن كتب تحمل بين طياتها آلاماً ومعاناة،عن حروف تفصح نقاطها عن هموم إنسانية تبشر بالمحبة وتعلن ولادة الضمائر،وتميط اللثام عن كل ماهو مزيف لتسطع الحقيقة شمساً تنير على البشرية جمعاء،ومن كتاب مسيحيي الشرق الذي صدر مؤخراً للأستاذ حبيب افرام وحمل بين دفتيه مقالات نشرت في عدة صحف لبنانية ومقالات ألقيت في مؤتمرات عقدت من أجل تعزيز الإنفتاح ونبذ العنصرية في كل مكان من بقاع الأرض،كما أن هناك نداءات جاءت على شكل رسائل تروي حكايا تواريخ مضت وأخرى مستمرة.

فسوف اقطف باقة من مقالات هذا الكتاب كي أضعها بين يدي الناس علهم يتوجهون إلى المكتبات بحثاًعن هذا الكتاب وغيره من الكتب،فالقراءة تستحق اهتمامنانحن اللذين لم نعد نعير للكتب والثقافة أية أهمية،نحن المبعدون عنوة،وبجهلنا عن العلم والمعرفة،فالكتاب يطالب بصداقتنا،ويناشدنا بإعادة إحياء القراءة،فهو لاينسى علاقة ورقه وحبره الحميمية بين أيدي كتّابه وقرائه،فكما يقول مونتين (أن تقرأيعني أن تجد الصديق الذي لن يخونك)(فالقراءة تصنع الإنسان الكامل)وهذا ماأكده الكاتب  فرنسيس بيكون،كما أن فولتير عندما سؤل من سيقود الجنس البشري؟أجاب على الفور ((الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون)

ومنه العود على بدء،فمقدمة كتاب مسيحيو الشرق وهي بقلم الوزير السابق ميشل إده وهو رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار،ورئيس سابق للرابطة المارونية،ولإتحاد الابطات المسيحية اللبنانية،تحمل هذه المقدمة شرحاً موجزاً يطلعنا عما يحمله هذا الكتاب بين دفتيه لنرى في الصفحة الثالثة عشر تمهيداً للكاتب حبيب افرام يبدأه بتداعيات يسترجع فيها طفولته ويخبرنا عن ماضي عائلته ومعاناته وشعبه في مجزرة (سيفو)التي منها ومن سابقاتها ولاحقاتها تشكل عقلاً مسيحياً مشرقياً يحمل بين تلافيفه جواز سفر،وقد تشّرب واقتنع بأنه مقيم حتى اشعار آخر،فهو مهاجر محمّل بالطرق الرسمية بالتزوير بالعصابات بالألم الجارح،وهذا على حد تعبير الكاتب

ففي مقالة عمق الجذور ورحابة السماء التي ألقيت كمحاضرة في المؤتمر العالمي حول العلاقات التركية الأرمنية السريانية،وحول ما جرى في الحرب العالمية الأولى في جامعة اسطنبول عام ألفين وستة نجد في هذه المقالة أن إنسانية تعتلي قمتها وتحيي ذروتها ،عندما يتحدث الكاتب عن لسن المسحيين أحمعين وبخاصة السريان  بأنهم ليسوا ضدد تركيا لاحكومة ولاشعباً ولانظاماً،وبأنهم لايكنون لها أي عداء،فقط يطالبون بالاعتراف الصريح والشفاف كي تكون وقفة ضمير ونقد ذاتي دون استثسمار لدماء الشهداء،دون أن يفتحوا جراحاً قد يطول نزفها،فهم ضدد القتل بالمطلق،وضدد الحرب،وضدد الإرهاب،وضدد العنف،وضدد الكراهية،يسعون إلى انتزاع الأحقاد ليفتحوا صفحة انفتاح وتقبل للآخر مع كل البشر،لتأتي مقالة الحلم الأبيض،وتؤكد صمود الإنسانية وتحثّ الإنسان على الأمل والحلم والألوان،إنها فعلاً دعوة لكل إنسان كي يحيي الطفل الذي يعيش فيه،لأن الطفل إذا مات في الإنسان فإنه سيغدو وحشاً لاحدود لشره،لنجد في مقالة حرب سريانية صغيرة وهي مقالة تختلط كلماتها بالشعر،وتكون حكايتها سرداً يروي ذاكرة حزن،وتاريخ ظلم يدعو إلى حرب ليست كالحروب التي تشرب أسلحتها دماء البشر ولا تشبع،إنما هي حرب من نوع أخر،حرب شعاراتها الحبة والسلام،وأسلحتها العقول النيرة،لينتقل بنا الكاتب إلى رسالة إلى شعب قبطي شقيق غرز الظلم مخالبه فيه فرفض أن يتخلى عن إيمانه،وأن يقتلع من جذوره،أن يعامل كتراث يعرض في المتاحف،فكان نداءً قد وصله من شقيقه الشعب السرياني يحثّه على الصمود ليكونا شعبين يكتبان أروع ملاحم البطولة.

وفي مقالة آخرى يتسائل الكاتب كيف نوقف نزيف دمنا؟فنحن الشرقيون نتغنى بالتاريخ لأننا لم نعد نساهم في صنعه ربما،بل يطيب لنا ان نظن أننا آلهة وأبطال تتغنى بنا الكلمات والقصائد والملاحم،كما أن هناك دعوة من الكاتب لحوار اسلامي-مسيحي في لبنان ليتوحدوا حول وطنهم ليحصنوه ويزيلوا كل الخلافات التي تزعزع الوطن وتشرذمه،كما أن هناك عدة مقالات تئن كلمتها وجع بلادي وتعبر عن حزن كل سوري يبكي أحشاءه على مايحصل في سوريا،لقدصمت قلمي عندما جاءعلى ذكرك سوريتي الغالية.أما مقالة الهجرة الدائمة والرواية،فقد شبه الكاتب العمر بالرواية المملة التي لم تجب عن لغز الموت  لأن الإنسان يقبله بصمت،لأن الموت لامفر منه يباغتنا في كل مكان وزمان،فما هذه الرواية أو العمر الذي يعرف كل إنسان نهايتها/فيعبر الكاتب عن مدى حزنه بقوله(أن باطل هو العمر يارفيق القلم)فتكون رسالة رثائية خطها الكاتب في مناسبة وداع رفيق القلم الكاتب (الياس مقدسي الياس)لنجد من خلال هذه المرثية أن الكاتب في وداعه لصديقه طرق أبوب العدم ودخل في جدلية العدم والحياة.

لنجد أن هناك مقالات تفتح أبواب التاريخ على جميع بلدانا العالم،وآخرى تكرّم شخصيات مناضلة في كل المجالات،ومالفت انتباهي في كتابنا (مسيحي الشرق) أن هناك مقالات يتهم فيها الكاتب نفسه بالتقصير في الدفاع عن أهله وشعبه وأخوته في بغداد،ومن هذا الاتهام الذاتي،يتهم كل عربي غارق بذاته قام على حذف حرف السين من إنسانيته فأصبحت أنانيته المفرطة التي لاتعي خطورة مايكتبه الكون مسجلاًفي سفر نشوئه نياتنا الشريرة ومقاصدنا القاتلة.

وأخيراً وليس آخراً فأنا أجد أن الوطن أي وطن هو حنون لايحب الأضاحي،لكن البشر أجبروه على ابتلاع أكباش الفداء التي تذبح يومياً هنا وهناك باسم زيناه بالكثير من الورود،وعطرناه بجميع الرياحين،وكللناه بالغار،ومن كتاب مسيحيي الشرق خيار البقاء وإرادة الرجاء يتمنى كاتبه عودة شهداء السريان في مقالة الشهداء السريان لو عادوا،أتمنى أن تجدوا في قراءة هذا الكتاب المتعة والفائدة،و(الكتاب خير جليس).