قبل موعد انتهاء مهلة الاتفاق النووي الايراني مع الدول الخمس +1، لا تفاؤل لبنانياً بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً في مرحلة المتغيرات والتقاطعات الاقليمية بعد تطورات الوضع العراقي

 

لا يزال موعد 20 تموز، تاريخ انتهاء مهلة الاشهر الستة بين إيران والدول الخمس + 1، يشكل مفصلاً إقليمياً ودولياً حاسماً، يتعدى الاطار النووي. فهو موعد حقيقي قد يحمل معه تصوراً لمستقبل دول المنطقة وعلاقاتها المتشابكة: الاوضاع في سوريا والعراق ولبنان ومصر، والعلاقات السعودية ـــ الايرانية، وحتى المنحى الذي ستتخذه إسرائيل في طريقة تعاملها مع الفلسطينيين.

 

كل دول المنطقة تنتظر هذا التاريخ، رغم أن العيون مشدودة اليوم نحو العراق حيث تتصاعد دراماتيكياً تطورات الوضع الميداني، وحيث النمو السريع لـ«داعش» في المناطق الحساسة جغرافياً. فمن شأن هذا التاريخ، في حال مدّد الاتفاق النووي ستة أشهر أو أعلن وقف العمل به، أن يرسم ملامح أساسية لما يمكن أن تقبل عليه دول المنطقة.

 

لا شك في أن التطور العراقي، لجهة نمو «داعش» وتمددها، كسر الى حد كبير إيقاع الهدنة التي كان معمولاً بها حتى الآن بين الخطين السنّي والشيعي في المنطقة منذ بضعة أشهر، وتوّجت ببدء انفتاح خليجي على طهران وباستقرار لبناني بالحد المقبول. لكن هذا الانفلاش لا يزال محكوماً بجملة اعتبارات خليجية ودولية وأميركية تحديداً قد تضيق الخناق عليه تدريجاً.

 

المشكلة اللبنانية تكمن في الخشية من محاولة استيراد الأزمة العراقية الى لبنان، رغم أن منطق الأمور والجغرافيا لا يفترض أن «داعش» تريد الاطلالة اليوم على وجهة البحر المتوسط. لا بل إن توسع حركتها ينبئ بتهديد أمن الدول المحيطة بالعراق، ولبنان ليس إحداها. إلا أن الخشية أن يحدث تمايز في تعامل اللبنانيين مع المشكلة العراقية على طريقة بعض أدبيات تيار المستقبل وإعلامه لجهة التوصيفات التي يطلقها على مسلحي «داعش» وداعميها و«ثوار العشائر»، إذ لا يمكن إلا المقارنة بين هذه التعابير والتوصيفات التي أعطيت للجيش السوري ومعارضيه مع اندلاع الحرب السورية. وكأن بيروت في صلب الصراع العراقي، وهذه ليست حالها على ما يفترض.

 

أي طرف إقليمي

في هذه المرحلة في وارد إنجاز سلة متكاملة على غرار الدوحة؟

والمعضلة اللبنانية لا تكمن فقط في التفجيرات الانتحارية التي تسعى الى «إرباك» الطرف الشيعي، وحزب الله تحديداً، وتوتيره أكثر فأكثر وإقلاق راحته، وهو الذي تمتد خطوط إمداداته من إيران الى لبنان وسوريا، وفي صورة أقل في العراق. ثمة أزمة تكمن في عدم استخلاص القادة اللبنانيين العبرة من ترتيب التفاهم السعودي ـــ الايراني الذي أدى إلى تأليف الحكومة، كنقطة تقاطع والتقاء من أجل ضمان الاستقرار المحلي، بعدما شعر الطرفان الإقليميان بأن وحدة البلد تكاد ينفرط عقدها.

 

بحسب تأكيدات إقليمية ودولية تصل الى مسامع سياسيين لبنانيين، لا يزال هذا الترتيب قائماً ولم يكسر بعد في ظل عناية مستمرة بالاستقرار رغم التطورات العراقية. إلا أن الاستقرار في حاجة الى متابعة يومية وجهد أمني وسياسي مزدوج، رغم أن واشنطن تغطيه وتبدي حرصها في أكثر من مجال على رعاية تفاهمات إقليمية من شأنها أن تحافظ على التوازن الموجود. فوزير الخارجية الاميركي زار بيروت وأكد دور حزب الله وإيران وروسيا في حل أزمة سوريا، وذهب الى مصر في مبادرة تلطيف أجواء مع السعودية راعية الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي، وذهب الى العراق في مبادرة تهدئة وتشكيل حكومة جامعة على غرار حكومة لبنان.

 

تشكل حكومة لبنان نموذجاً إقليمياً في توليفتها، وبالأسلوب الذي اعتمد لتشكيلها بعدما عجل التفاهم الإقليمي في تأليفها وصياغة بيانها الوزاري، ولاستمرار عملها في ظل الشغور الرئاسي الذي كان شبه محسوم منذ فترة طويلة. والمفارقة في تبدل المشهد في غضون أشهر، ودائماً تحت سقف ضبط الاستقرار، إذ عاش لبنان في ظل رئيس للجمهورية وبلا حكومة، واليوم صار لديه حكومة ولكن من دون رئيس للجمهورية، ما يعني أن عمر هذه الحكومة قد يكون طويلاً، إذا لم يستدع الاهتزاز الامني تعجيلاً للانتخابات. والمحاولة الداخلية لاجتذاب التدهور الاقليمي لا تتماشى مع ما هو مرسوم للبنان إقليمياً، أي تقطيع الوقت وضبط الأمن بالحد المقبول برعاية الحكومة الحالية، في انتظار تبلور صورة 20 تموز. لذا يبدو سعي بعض القيادات السياسية الى فرض إيقاع محلي بحت، والعمل بالأطر الديموقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية أو استكمال دورة الحياة البرلمانية تمهيداً للرئاسيات، كحالة ترف سياسي، من خارج السياق الاقليمي وفي غير محلها. فكلفة الحكومة، ومخاضها اليومي مع الامن وتسيير أعمالها، تظل أقل ثمناً وأسهل من حسم الملف الرئاسي وانتخاب رئيس جديد في هذا الوقت الضائع.

 

فانتخاب رئيس الجمهورية، على أهميته وضرورته الملحة، لا يمكن أن يكون معزولاً عن «رزمة الاتفاق الكامل»، لأن انتخاب الرئيس ليس إلا اتفاقاً إقليمياً ودولياً كاملاً، ويحتاج التوافق عليه إلى اتفاق على رئيس الحكومة الجديدة والبيان الوزاري الجديد، وبالأخص على قانون للانتخاب يؤسّس لإجراء انتخابات نيابية جديدة، أو حتى الالتقاء مجدداً على التمديد للمجلس النيابي في انتظار إجراء الانتخابات لاحقاً.

 

والسؤال: أي طرف إقليمي، في هذه المرحلة الدقيقة، في وارد إنجاز مثل هذه السلة المتكاملة التي سبق أن حصلت في الدوحة، حيث اتفق على اسم الرئيس ورئيس الحكومة وقانون 1960 برضى المسيحيين، حتى إن تسوية «شيراتون الدوحة» شملت كيفية تقسيم بيروت وتوزيع الحصص السنية والشيعية والارمنية في دائرة بيروت الثانية، بين قوى 8 و14 آذار.