ليس جديدا ما تشهده المنطقة في هذه المرحلة من صراع وتقاتل، وليس جديدا أيضا استعمال الدين كواحد من المحركات الأساسية في خدمة مصالح المتقاتلين وأصحاب النفوذ ان عبر التطييف او من خلال"مذهبة" الصراع.

وبسبب غلبة اللون الديني الواحد في المنطقة فان "المذهبة" هي من تكون الأكثراستعمالا على مر العقود وهذا ما يعاد تكراره في كل مرة وبخاصة الان بعد الاحداث التي حصلت في العراق ودخول المرجعية الدينية على خط الازمات ، مما ساهم اكثر في تبريز المشهد القديم الجديد وتقديمه على انه صراع بين السنة والشيعة .

صحيح ان الانشطار السني - الشيعي الذي بدأ سياسيا مع حرب الخلافة وله جذور ضاربة في التاريخ تصل الى عام 36 للهجرة ( 1399 سنة) مع واقعة صفين بين علي بن ابي طالب من جهة ومعاوية بن ابي سفيان من جهة أخرى وما خلفته من دماء كان لا بد من ان تخلف احقادا وضغائن ، الا ان هذا الصراع ( السني – الشيعي ) لم يكن هو الصدع الوحيد الذي أصاب المسلمين وتسبب بحروب تاريخية مدمرة.

فما أصاب كل من المذهبين على حدا من تقاتل داخلي بين فرقه ومدارسه تكاد لا تقل فظاعة على الصراع الام , فالصراع بين الشافعية والحنفية لم يكن اقل دموية قبل مجيء الدولة الصفوية في نيسابور ويذكر المؤرخون ان الحنابلة قتلوا بالسم الفقيه أبا منصور الشافعي سنة ( ( 657 ومن جانب اخر كانت حرب الفتاوى تهيء الأرضية الشرعية للاقتتال ، فمن الفتاوى المثيرة في هذا الصدد فتوى الشيخ بان حاتم الحنبلي التي يقول فيها : ( من لم يكن حنبليا فليس بمسلم ) في حين اجتمعت المذاهب الأخرى على الحنابلة تستنكر اراء الشيخ ابن تيمية الحنبلي وافتى العلماء بارتدادهم وكفّر ابن تيمية ونادى المنادي : ( من كان على دين ابن تيمية حلّ ماله ودمه ) ، في حين يقول الشيخ محمد بن موسى الحنفي قاضي دمشق ( 506ه) : لو كان لي الامر لأخذت على الشافعية الجزية وصولا الى التقاتل الحاصل في ليبيا مثلا

 . واما على المقلب الاخر داخل الطائفة الشيعية فان الحال لا تقل بشاعة خصوصا بعد غيبة الامام الثاني عشر وقيام السلطات الشيعية مما تسبب بفرط دولهم، ابتداءا من الصراع الدموي داخل الدولة البويهية (334 ) , وصولا الى الصراع الاجرامي بين الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول (734 ) والشيخ يالوش ومن معه من الشيعة مرورا بالنزاعات الدموية الداخلية بين أبناء البيت الحمداني وهو ما تسبب باستيلاء الفاطميين على حلب وذهاب دولتهم ( 1003) والانقسام الفكري الحاد الذي اجتاح الحوزات الشيعية ابان تقاسم المشرق العربي بين الدولة العثمانية والدولة القاجرية (1906م) ووقوع الخلاف الشرس بين المرجع النائيني والمرجع محمد فضل لله نوري وسمي الصراع حينها بين المستبدة والمشروطة أدت في النهاية الى اعدام المرجع نوري ، وصولا حتى الى حرب الإقليم بين حركة امل وحزب الله الشيعيين ( 1998).

 في الختام فان كل ذي عقل يعرف بان الصراع الحاصل الان ان في العراق او في سوريا ولبنان والبحرين واليمن ما هو الا صراع نفوذ بين دولتي ايران والسعودية ، فلو فرضنا جدلا ان ايران سنية وعلى المذهب الشافعي مثلا ،لما تبدل شيئا بالمشهد الدامي سوى تغيير باسم الفتنة من (سني- شيعي) الى ( شافعي- حنبلي ) فقط.