"لن يعود العراق الى ما كان عليه"!
هذا هو الموقف الذي يسمعه المراسلون في المناطق الكردية شمال العراق، بعد انفجار الاوضاع الذي كشف ان السلطة المركزية في بغداد كانت تنام على بركان يغلي لا بل هي صنعته، وان حكومات نوري المالكي لم تعالج هذا الوضع، الذي تسببت به اصلاً سياساتها الإقصائية والانتقامية وتسخير الحكم لأغراض جهوية ومذهبية.
ليس من المستغرب ان يرتفع هذا الكلام في مناطق الاكراد، الذين طالما طالبوا بقيام دولة كردية وسبق لهم ان حصلوا عام ١٩٧٤ على نوع من الحكم الذاتي، وليس من المستبعد ان يرتفع الكلام عينه في مناطق الوسط العراقي السنّية، التي عوملت على يد حكومات المالكي وكأنها كلها صدّام او صدّامية يتعيّن اجتثاتها كما حصل مع البعثيين في الجيش ومؤسسات الدولة!
على رغم كل ما قيل عن دور "داعش" الارهابية المتوحشة، فقد كان واضحاً ان آلافاً عدة من الارهابيين لا يمكنهم اجتياح مساحة ١٠٠ ألف كيلومتر مربع من العراق في خمسة ايام، بما يؤكد ان معظم الضباط من قادة الـ٦٠ الف جندي الذين كانوا في الموصل، أخلوا مراكزهم وهربوا ليس خوفاً من "داعش" بل رداً او بالأحرى ثورة ضد سياسات المالكي العمياء، التي جعلت حتى القيادات الشيعية تصفه بالديكتاتور كما ورد على لسان المرجع علي السيستاني ومقتدى الصدر عشية الانتخابات الاخيرة!
السؤال المٌلح الآن: هل ان اميركا تعامت عن اخطاء المالكي وظلت تدعمه لأسباب تتصل بأهدافها الخبيثة المضمرة، أي دفع الامور أكثر الى التأزيم الذي يفضي الى "الفوضى الخلاّقة" فالتقسيم وقد بدأت اشباحه وظلاله تطل من العراق وبلدان اخرى ومنها سوريا، وهل ان ايران لم تكن تدري مغبة أخطاء المالكي وحماقاته وهو رجلها الاول في العراق، ام انها شجّعته ودعمته هي ايضاً لأسباب تتصل بأطماع مضمرة تجاه الجنوب العراقي الشيعي؟
يجمع الضباط الاميركيون الذين عملوا في العراق وخبراء الامم المتحدة على ان المالكي هو المسؤول الأول عما جرى، وانه هو من يجب ان يحاكم لا الضباط الذين اتّهمهم امس بالتقاعس، ومن الواضح ان الاتهامات التي وجهها الى السعودية ليست سوى أضاليل لمحاولة التعمية على سياساته المذهبية التي ادت الى قيام ما تُجمع العشائر السنّية الآن على انه ثورة في حين يقول هو وطهران انه هجوم ارهابي كبير تقوم به "داعش" بدعم اقليمي!
كما اعلنت الرياض والجامعة العربية، وكما دعا اياد علاوي، وكما يطالب زعماء من ابناء الطائفتين السنّية والشيعية في العراق، ان الحل هو بتنحية المالكي وتشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الاطراف، وإلا يغرق العراق في حرب مذهبية بغيضة تنتهي بالتقسيم وفي أحسن الاحوال بالفيديرالية!