من العبث الكلام عن أيّ تقدّم سياسي يؤدي إلى تسهيل الاستحقاق الرئاسي لا في جلسة اليوم ولا في أي جلسة مقبلة في ظل استمرار عملية خلط الاوراق الاقليمية المتسارعة بشكل غير مسبوق، كما أنه من المُحال الحديث عن تمرير أيّ من الملفات الحياتية الضاغطة طالما أنّ هذه العملية لم تنته بعد، خصوصًا أنّ الوضع اللبناني دخل الثلاجة بانتظار ما ستحمله التطورات والتداعيات المرتقبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة أكان على صعيد المفاوضات الأميركية الإيرانية الناشطة في جنيف أو على مستوى الاتصالات الخجولة الجارية بين إيران والمملكة العربية السعودية عبر سلطنة عمان وما يترتب عن هذه الخطوات من تداعيات على مراكز القرار الدولي المشغولة في هذه الاثناء بمتابعة الملفات الأكثر أهمية بالنسبة لها.
إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الحركة السياسية نائمة بل على العكس تمامًا فإنّ أروقتها تتحدّث عن مشاريع جدية للخروج من دائرة المراوحة بعد أن ارتبطت الملفات ببعضها البعض وباتت بحاجة إلى فصل ولو على مضض للبدء بتركيب مخارج يمكن الاستناد إليها في إعادة تكوين النظام والسلطة معًا، ومن أبرزها إجراء الانتخابات النيابية في أيلول المقبل استنادًا إلى قانون الستين نظرًا إلى عدم إمكانية تعديله في المدى المنظور.
وفي هذا السياق، يكشف سياسي مخضرم أنّ "حزب الله" لم يعد بعيدًا عن القبول بهذا الطرح باعتباره المخرج الوحيد المتبقي أمام الجميع لكسر الطوق المضروب على الحياة السياسية، خصوصًا أنّ استمراره بدعم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بات نهائيا وحاسمًا وهو يستند إلى موقف أخلاقي لا رجوع عنه طالما أنّ عون يريد ذلك، وبالتالي فإنّ الانتخابات النيابية قد تشكل المخرج الوحيد لهذه المراوحة طالما أنّ العالم الخارجي مشغولٌ بأمور أكثر أهمية واستراتيجية، إضافة إلى غليان الشرق الاوسط وعدم وضوح الرؤية الاقليمية في ظل الحروب الباردة والصراعات المتنقلة.
من جهته، لا يستبعد قيادي "مستقبلي" هذا الطرح لا سيما في حال قبول الفريق الآخر بقانون الستين باعتباره الأكثر ملاءمة لفريقه، إضافة إلى أنّ تقارب "المستقبل" مع "التيار الوطني الحر" من شأنه أن يؤسّس إلى تفاهمات مع "حزب الله"، ما يعني التفافا كاملا على المنظمات والحركات السلفية التي بدأت تشقّ طريقها بثبات وسط الشارع السني وتنافس التيار "الأزرق" على شعبيته، مع الاشارة إلى أن قادة المحاور ليس في طرابلس فقط بل على مساحة لبنان تحولوا إلى مفاتيح انتخابية من شأنها إعادة طرح الأمور على بساط البحث الجدي في ظل دخول أكثر من طرف اقليمي ودولي على الخط الساخن للحياة السياسية المحلية.
وليس بعيدًا عن ذلك، ينقل أحد رؤساء الأحزاب عن سفير غربي فاعل أجواءً تصبّ في هذا الاتجاه باعتباره مرحلة انتقالية لا بدّ منها لإعادة رسم الأحجام والأوزان استنادًا إلى المعادلات الاقليمية الجديدة، فما كان مقبولا قبل التحولات الاقليمية الكبرى لم يعد كذلك اليوم، والعكس صحيحٌ في ظلّ ظهور الكثير من الحركات المتطرّفة والتي لا يمكن التعاطي معها إلا من ضمن أجندة إقليمية ودولية لا يمكن التعاطي معها باستخفاف، بل على العكس تمامًا طالما أنّ المطلوب من لبنان ومن سائر دول المنطقة الانضمام إلى الجبهة العريضة لمكافحة الارهاب، وهذا لا يمكن أن يصل إلى النتائج المطلوبة إلا في ظلّ عملية إعادة تكوين سلطةٍ تبدأ من انتخاب مجلس نيابي جديد يأخذ على عاتقه الانتظام العام في الدائرة الاقليمية الأوسع.