تخوَّف الجيش اللبناني من خلايا جهادية نائمة يوقظها التمدُّد «الداعشي» في العراق، فسارع إلى عرسال وجرودها، واعتقل عناصر مشتبهاً بإنتمائهم إلى «داعش» و»النصرة». فهل التخوُّف اللبناني في محلِّه أم مبالَغٌ فيه؟د

الأخطر في الحراك «الداعشي» الذي يجتاح العراق، هو أنّ جزءاً كبيراً من المزاج السنّي في العراق وسوريا وسائر دول الشرق الأوسط، ومنها لبنان، يتعاطف معه نسبياً. فالسنّة إجمالاً يخشون «داعش»، ويدركون أنها ستأكل الأخضر واليابس حيث تنتصر، وستأكل «الكلاسيكية السنّية» أولاً.

لكنّ كثيرين من السنّة مقتنعون بأنّ ما تفعله «داعش» اليوم هو الإنتصار الملموس، الوحيد، الذي أُتيح للسنّة إنجازه، لا منذ إنطلاق «الربيع العربي»، بل منذ إنتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية.

في العراق، بعد خلع الرئيس صدام حسين وإعدامه، أصبحت السلطة للشيعة بدعم إيراني وتغطية أميركية. ودبَّر الأكراد أمورهم. لكنّ الماكينة الرسمية العراقية لم تُراعِ السنّة.

وفي سوريا، لم يُعطَِ «الجيش الحر» أيّ دعم حقيقي لمواجهة النظام. ومِن وراء الستار، بوركت إنتصارات الرئيس بشّار الأسد. وهناك شكوك في وجود أيدٍ خفية شجعت الحركات الجهادية التي تتنازع في ما بينها ومع «الجيش الحر»، ولكن ليس مع النظام.

والنقمة السلفية أو الجهادية يدعمها الشعور بإنقلاب الجيش على حكم «الإخوان المسلمين» في مصر بمظهر ديموقراطي، وإستمرار العملية الديموقراطية معطَّلة في الضفة وغزة، لإبعاد «حماس». وكذلك الأمر بالنسبة إلى «الإخوان» في الأردن.

هذه النقمة السنّية عموماً، والسلفية ـ الجهادية خصوصاً، قد يكون بعضها مبرَّراً وطبيعياً، والبعض الآخر مدسوساً أو مفتعلاً، إلّا أنها أمر واقع. ولكن
ماذا عن لبنان؟

الحراك «الداعشي» العراقي أشعر أوساطاً سنّية في لبنان بنشوة. والمقصود ليس أوساط الجماعات الجهادية المحظورة التي واجهها الجيش في عبرا أو عرسال أو سواهما، بل أيضاً أوساط المجموعات التي تتعاطى الشأن العام أو تشارك في السلطة، كـ»الجماعة الإسلامية». وكاد النائب خالد ضاهر أن يبقّ البحصة قبل يومين، عندما جدَّد تحذير «حزب الله» من أنّ إستمرار تورُّطه في سوريا سيقود لبنان إلى الأسوأ.

وهنا، ينبغي التوقف عند الملاحظات الآتية:

1- إنّ لبنان جزءٌ من جغرافية «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

2- إنّ سنّة لبنان عموماً، والسلفيين منهم خصوصاً، يعيشون شعوراً مشابهاً لشعور السنّة العراقيين من حيث تعاطي الدولة معهم. فهناك غضّ نظر واضح على تورُّط «حزب الله»، مقابل تعقُّب أيّ حراك سنّي مقابل.

3- إنّ القوى المتنازعة هي نفسها في لبنان وسائر دول الشرق الأوسط: الشيعة تدعمهم إيران والسنّة تدعمهم تركيا وعرب الخليج.
4- لم تَعُد الحدود قائمة فعلياً بين لبنان وسوريا، لا أمام المقاتلين ولا اللاجئين بالملايين. ولم تعد قائمة أيضاً بين سوريا والعراق بعدما أزالتها «داعش».

5- يتمتع لبنان بخصائص إجتماعية وسياسية تفتقدها الكيانات الإقليمية الأخرى. وهي تشكل ضماناً لصموده في وجه الإهتزازات. وأبرز الضمانات هي وجود توازن طائفي ومذهبي دقيق يمنع أيّ فئة من السيطرة على الآخرين. لكنّ قدرة الكيان اللبناني على الصمود ليست مطلقة. وهناك حدود لا يمكن بَعدها التأكد من صموده.

6- يعيش لبنان مأزق الفراغ والإحتقان السياسي والدستوري والأمني والإجتماعي. وفي هذه الأجواء، يمكن أيّ جهة إقليمية، لها مصلحة في التفجير، أن تنفِّذ غاياتها.

وبناءً على هذه الملاحظات، قد لا يواجه لبنان خطراً مباشراً من جرّاء «الإستنهاض الداعشي» الإقليمي. ولكن لا يجوز الإستهانة بمخاطر إصابة لبنان بالفيروس إذا أمعن اللبنانيون في تجاهل المخاطر. فالمناعة اللبنانية أمام هذا النوع من الفيروسات ليست كافية. ويكفي تذكُّر أنّ الإنتحاريين واظبوا على عملهم حتى البارحة.

ولذلك، فالوقاية من الفيروس «الداعشي» لا تكون أمنية فقط. فعمليات «التنظيف» الأمنية تشبه التطهير الموضعي للجِلد في نقطة ظاهرة للعيان، فيما الحُمّى في الداخل، وهي تهدِّد بقتل المريض.