هي الأولى من نوعها بعد خمس سنوات من استقبال مسؤول أميركي على هذا المستوى في لبنان، ففي ساعاتٍ قليلة جاء لبنان وغادر بعد أن أفرغ ما في جعبته من رسائل، فكان لزيارة وزير خارجية أمريكا جون كيري أبعادها السياسية المهمّة التي تنبئ ببدء رسم خارطة جديدة من التفاهمات والاتفاقات في المنطقة.

فلم يأتِ كيري إلى لبنان فقط لتشجيع اللبنانيين على انتخاب رئيسهم ونصحهم بعدم انتظار معجزة خارجية فقط، فلم تسهم الزيارة في أي حلحلة بموضوع الاستحقاق الرئاسي. والنقطة الإيجابية الوحيدة في مواقف كيري, كانت في إنهاء مراهنة العماد ميشال عون على دعم أميركي لترشيحه. والتأكيد على أن موقف الولايات المتحدة حيادي تجاه المرشحين, على عكس ما أوحت به تحركات السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل, خلال الأشهر الماضية من تبن لترشيح عون, في ما عدا ذلك لم يقدم كيري أي مبادرة لإنهاء الفراغ الرئاسي.

ولكن أن يتوجّه وزير خارجية الولايات المتحدّة الأمريكية بالدعوة لحزب الله لأن يساهم في الحل السياسي في سوريا مع روسيا وإيران، هذا يعني أن أمريكا بدأت بإزالة وصمة الإرهاب عن جبين حزب الله، والعكس صحيح، فيبدو بأن ملاحم العداء بين حزب الله وأمريكا قد اقتربت من فصلها الأخير، وبدأ حزب يرى في أمريكا ملامحاً أرق وألطف من الشيطنة، وربّما بدأت معها فصول التحوّلات عند هذا الشيطان الأكبر ليتحول تدريجياً من الشيطان الأكبر إلى الملاك الأصغر.

فإن رائحة الغزل بين كيري وحزب الله كانت واضحة في هذه الزيارة رغم محاولات إخفائها الفاشلة، وهو غزلٌ كفيل بتغيير استراتيجيات ورسم أخرى تتلاءم أكثر مع الاتفاقات الإيرانية-الأمريكية التي تُطبخ على نيرانٍ هادئة، والتي سيكون لها دورها بإطفاء نيرانٍ كثيرة تستعر في المنطقة.

نهلا ناصر الدين