يتَّفق الأقطاب الموارنة الأربعة على نقطة واحدة في الملف الرئاسي: لا مجال لرئيس ضعيف أيّاً كان الثمن. ويبدو مثيراً هذا الإتفاق بين أركان «الرباعي الماروني»، فيما تدور بينهم مشاحنات ملتهبة.

الذين إلتقوا النائب سليمان فرنجية في الأيام الأخيرة سمعوا منه كلاماً واضحاً: لا نريد بعد اليوم أن نقع فريسة التخويف. خوَّفونا سابقاً بالدولار وإنهيار الليرة، واليوم يخوِّفوننا من الفراغ الرئاسي. ولكن علينا أن نصمد ولا نخاف.

فالفراغ في العام 2007 دام 7 أشهر. ولكن بعد الفراغ جاء الرئيس ميشال سليمان. وفي العام 1988 بقيَ موقع الرئاسة شاغراً عاماً ونصف العام، ولم تخرب الرئاسة. ولذلك، على المسيحيين اليوم أن يَثبتوا على مطالبتهم بالرئيس القوي، لأنّ وصول رئيس ضعيف سيكون أخطر من الفراغ.

وسيجد المسيحيّون، إذا تمسكوا بموقفهم، أنّ الشركاء السنّة والشيعة سيأتون إليهم ويسألونهم: مَن تريدون لرئاسة الجمهورية؟ وعندئذٍ سيتمكن المسيحيّون من إيصال مرشح قوي، قد يكون من «8 أو 14 آذار».

ويبدو فرنجية مرتاحاً إلى أنّ أحداً من الأقطاب الموارنة الأربعة لم يخرج عن الإتفاق الذي تمّ في ما بينهم، في بكركي، على هذه النقطة الجوهرية. لكنه يُبدي قلقاً من مساومات وضغوط خارجية تؤدي إلى تمرير إختيار شخصية مارونية ضعيفة، تحت العنوان الوسطي.

ويقول: أتوجه بطلبي إلى بكركي خصوصاً، داعياً البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى عدم تغطية أيّ مرشح ضعيف قد يجرى تسويقه دولياً على أنّه توافقي، تحت طائلة التخويف من الفراغ. فهناك لعبة «عضِّ أصابع» في البلد، وليس علينا كمسيحيّين أن نصرخ أولاً.

وتقول أوساط مسيحية في «8 آذار»: قاطعنا الجلسات الإنتخابية بسبب خوفنا من سيناريو قد يُمرّر في لحظة معينة، ويُفرض على الجميع. وهذا السيناريو يتم تسويقه مع النائب وليد جنبلاط، ويجري تنفيذه في جلسة إنتخابية معينة، بعد إقناع الرئيس أمين الجميّل والدكتور سمير جعجع، تحت عنوان أنّ وصول رئيس وسطي يبقى أفضل من الفراغ.

ووفقاً للسيناريو، تستفيد قوى «14 آذار» وبعض الوسطيين من توفير النصاب لتمرير مرشح كالنائب روبير غانم أو النائب هنري حلو. لكنّ الأوساط تعترف، حتى اليوم، للخصمَين المارونيَين في «14 آذار»، الجميّل وجعجع، بأنهما لم يقبلا بتسويةٍ من هذا النوع. وتضيف: أنّ النائبين ميشال عون وفرنجية مقتنعان بأنّ المسيحيين لم يعودوا قادرين على تحمُّل تنازل جديد في موقع الرئاسة الأولى. والتجربة في قانون الإنتخاب ذات مغزى.

فعندما قرَّر المسيحيّون مواجهة التهميش في تمثيلهم النيابي، في إنتخابات 2009، تمكنوا على الأقل من فرض العودة إلى قانون 1960، فيما كانت الخيارات المطروحة أشدّ سوءاً. وفي إنتخابات 2013، تقدَّم المسيحيّون بطروحات عدة لقانون الإنتخاب. وعندما إلتقوا في بكركي وأعلنوا تأييدهم مشروعَ «اللقاء الأرثوذكسي»، فرضوا على الجميع سقفاً لم يستطيعوا تجاوزَه. وإزاء هذا الموقف، تمَّ تأجيل الإنتخابات النيابية حتى التوافق على قانون، ولكن لم يُفرض عليهم تنازلٌ جديد.

وتنتهي المصادر إلى القول: إنّ إقرار مبدأ الرئيس القوي قد يستفيد منه المرشح الذي سيتمكن من الوصول إلى بعبدا هذه المرة، لكنه سيتحوَّل سابقةً وعرفاً يستفيد منه كثيرون بعد 6 سنوات وفي ما بعد. والمستفيدون سيكونون جيل المرشحين المحتمَلين من «14 و8 آذار»: جعجع، فرنجية، والوزير جبران باسيل، النائب سامي الجميّل وسواهم... ولكن حتى ذلك الحين، يجب أن تكون الرئاسة مكرَّسة للأقوياء في تمثيلهم للقواعد المسيحيّة، ليبقى وزن للرئاسة والرئيس.

بناءً على هذه المعطيات، تسأل مصادر مسيحيّة تصف نفسها بـ»المحايدة»: الإختلافات والتمايزات، العلنية والخفية، حتى بين الحلفاء من أقطاب الموارنة، تستدعي كثيراً من الأسئلة والشكوك. فهل يُثبِت «التفاهم الرباعي» المسيحي حول نقطة واحدة هي «الرئيس القوي» أنه أقوى من «التحالف الرباعي» الذي نشأ في 2005 وقلَبَ الطاولة، وما زال يتكرَّر في أشكال مختلفة؟