الكاتب: أحمد ندا

المصدر: جريدة المدن الإلكترونية

لأن الحرية ليست أغاني وشعارات تذهب معها الأصوات.. ولأن المعقول والمنطقي والحتمي مستحيل مع دولة متكلسة ومتجذرة في الماضي بسلطويته وضيقه.. ولأن السيسي صار رئيساً يعبر عن مصالح هذه الدولة ليستعيد رسوخها وتدخلها حتى في عدد أنفاس شعبها.. توقف برنامج باسم يوسف!

 على مسرح "راديو" الذي استضاف برنامج "البرنامج" طوال عام تقريباً، وبعد عشرات الحلقات التي صال فيها يوسف وجال، بسخرية سياسية ونقد لاذع لمجريات المجال العام المصري.. قرر "الأراجوز" الأذكى والأكثر صواباً سياسياً أن يعقد مؤتمره الصحافي الذي يعلن فيه مصير برنامجه. الطبيب الشاب، إبن الحالة الثورية الإعلامية التي تفجرت في مصر بعد ٢٥ يناير، أعلن نهاية البرنامج، قائلاً: "أنا جبت آخري".

بدا باسم، رغم ابتسامته المتحفظة، منهكاً. وظهرت عليه ملامح الإستسلام. كان يمكن قراءة المصير من وجهه، رغم محاولاته للظهور متماسكاً. تحدث باسم بغضب حاول السيطرة عليه. جمل قصيرة على وشك الإنفجار: "معنديش استعداد أتنطط من مكان لمكان".

 المسؤولية هي ما دفعه للتوقف. مسؤولية مصيره وتهديد أمنه وأمن أسرته وفريق عمل البرنامج، المسؤولية التي لا تعرفها دولة متجهّمة، يحكمها مومياوات نظام بائد، فزاعات بضجيج سلطوي يصمّ الآذان.

لم يبد باسم يوسف بخير، وهو ينهي مكمن قوته بيده. ورغم استياء الحاضرين من ديبلوماسيته في الحديث عن كواليس ما حدث في الفترة الماضية، حملت عينيه إجابة كافية.. شكر "أم بي سي" التي سمحت له بالإستمرار في 11 حلقة، وقال "قناة غيرها كانت أوقفتني بعد حلقتين".

 حاول يوسف أن ينهي علاقته بالإعلام من دون معارك جديدة. لكن قد يكون ذلك بداية أسئلة حيوية عن علاقة السلطة بالمادة الإعلامية وتدخلها في محتواها. عن علاقة السعودية والإمارات بوجود السيسي، وعن حدود الحرية التي سيسمح بها، والسقف يقترب حتى كاد يطبق على الأنفاس... حاول باسم أن يمزح، يلقي نكاتاً لا تجد وجهاً ضاحكاً: "من المستحيل أن أعرض برنامجي في التلفزيون المصري.. ده خيال علمي!".

وفي لحظة مكاشفة عابرة قال: إن "توقف البرنامج هو نجاح له". النكتة أزعجت من لم يفهمها، ثم تطرق لمصيره قائلاً: "لن أرجع للطب لكن من الممكن أن أمثّل!" ولم ينس أن يشكر فريق عمله ودعاهم إلى المسرح رافعاً كلمة "النهاية".  

هل من المبالغة إن قلنا أن مكتسبات الثورة ذهبت كلها؟ حتى ابتسامتها الكبرى تلاشت على أيدي الخائفين من "المهرج".. وقع باسم وبرنامجه في أزمة توقعها الكثيرون بعدما ترك جنته الإلكترونية في "يوتيوب" إلى شاشة التلفزيون. ومع تغير الوسيط، تغيرت شروط العرض وحريته. 

 لماذا لم يقرر أن يعود إلى حيث بدأ؟ لماذا ترك نفسه أداة في يد رأس المال الذي وظّفه لغرض إحراج "الإخوان"، ثم لما انتهى الغرض منه تركه؟ لماذا لا يخرج بصورة غير التي اعتاد عليها من أستاذه ستيوارت؟ هل ينقصه الإبداع هو أو فريقه ليخرجوا بحلول ثورية للاستمرار؟

 قد نلمح من المشهد ملامح المرحلة القادمة ببطولة السيسي المطلقة، وهي تحمل في نواتها آليات انهيارها، ويضيق البراح حتى يوشك أن ينفجر.

يغيب باسم ويغيب البرنامج ومعه أكثر من 200 عامل ومبدع كانوا وراء هذه الضحكة، وتغيب ملامح حرية لا تبدو قريبة، لكن الأمل باق بلا شك، لأن غباء الدولة مستمر.